للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجاء حتى جلس مع رستم على سريره فترتروه [١] وأنزلوه ومغثوه [٢] ، فقال: كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوما أسفه منكم، إنا معشر العرب [سواء] [٣] ، لا يستعبد بعضنا بعضا، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، / فقال رستم: لم نزل متمكنين من الأرض والبلاد، ظاهرين على الأعداء، ننصر على الناس، ولا ينصرون علينا، ولم يكن في الناس أمة أصغر عندنا أمرا منكم، ولا نراكم شيئا ولا نعدكم، وكنتم إذا قحطت أرضكم استعنتم بأرضنا، فنأمر لكم بالشيء من التمر والشعير، ثم نردكم، وقد علمت أنه لم يحملكم على ما صنعتم إلا ما أصابكم من الجهد في بلادكم، فأنا آمر لأميركم بكسوة وبغل وألف درهم، وآمر لكل رجل منكم بوقرتي [٤] تمر وثوبين، وتنصرفون عنا، فإني لست أشتهي أن أقتلكم ولا آسركم.

فتكلم المغيرة [٥] ، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: لسنا ننكر ما وصفت به نفسك وأهل بلادك من التمكن في البلاد، وسوء حالنا، غير أن الأمر غير ما تذهبون إليه، إن الله تعالى بعث فينا رسولا فذكر نحو كلام ربعي إلى أن قال: فكن لنا عبدا تؤدي الجزية وأنت صاغر، وإلا السيف إن أبيت، فنخر نخرة، واستشاط غضبا، ثم حلف بالشمس: لا يرتفع الضحى غدا حتى أقتلكم أجمعين.

فانصرف المغيرة، وخلص رستم بأشراف فارس، فقال: إني أرى للَّه فيكم نقمة لا تستطيعون ردها عن أنفسكم، ثم قال رستم للمسلمين: أتعبرون إلينا أم نعبر إليكم؟

فقالوا: لا بل اعبر إلينا، فأرسل سعد إلى الناس أن يقفوا مواقفهم، فأراد المشركون العبور على القنطرة، فأرسل إليهم سعد ولا كرامة، متى قد غلبناكم عليها لن نردها عليكم، تكلفوا معبرا غير القناطر، فباتوا يسكرون العتيق والقصب حتى الصباح بأمتعتهم، [٦] فجعلوه طريقا.


[١] ترتروه: حركوه، وفي الأصل: «نثروه» ، وفي أ: «فنذروه» وما أوردناه من الطبري.
[٢] مغثوه: ضربوه ضربا ليس بالشديد، وفي الأصل: «وبعثوه» ، وفي أ، «ومنعوه» وما أوردناه من الطبري.
[٣] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[٤] في الطبري ٣/ ٥٢٣: «بوقر تمر» .
[٥] تاريخ الطبري ٣/ ٥٢٣.
[٦] في الأصل: «حتى بان تنعتهم» . وفي أ: «حتى بأمتعتهم» وما أوردناه من الطبري ٣/ ٥٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>