عَلَى مَدْخَلٍ يُؤْتُونَ مِنْهُ، فَآمَنَهُ فَدَلَّهُمْ، فَأَقْبَلَوُا إلى ذلك المكان، فأناموا كلّ مقاتل، وأرزأوا الْهُرْمُزَانَ إِلَى الْقَلْعَةِ، وَأَطَافُوا بِهِ، فَقَالَ: مَعِي مِائَةُ نُشَّابَةٍ، وَاللَّهِ لا تَصِلُونَ إِلَيَّ مَا دَامَتْ مَعِي مِنْهَا وَاحِدَةٌ، قَالُوا: تُرِيدُ مَاذَا، قَالَ: أَنْ أَضَعَ يَدِي فِي أَيْدِيكُمْ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ يَصْنَعُ بِي مَا يَشَاءُ، قَالُوا: فلك ذلك، فرمى قوسه فأكنهم مِنْ نَفْسِهِ، فَشَدُّوهُ وَثَاقًا، وَاقْتَسَمُوا مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ سَهْمُ الْفَارِسِ فِيهَا ثَلاثَةَ آلافٍ، وَالرَّاجِلُ أَلْفًا.
وَخَرَجَ مِنْ تُسْتَرَ فَلٌّ/ فَقَصَدُوا السُّوسَ، فَاتَّبَعَهُمْ أَبُو سَبْرَةَ، وَخَرَجَ مَعَهُ بِالنُّعْمَانِ وَأَبِي مُوسَى وَالْهُرْمُزَانِ، فَلَمَّا أَحَاطُوا بِهِ كَتَبُوا بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، وَوَفَّدَ أَبُو سَبْرَةَ ووفدا إِلَى عُمَرَ فِيهِمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَالأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، وَأَرْسَلَ الْهُرْمُزَانَ مَعَهُمْ، فَلَمَّا دَخَلُوا الْمَدِينَةَ هَيَّئُوا الْهُرْمُزَانَ فِي هَيْئَتِهِ، فَأَلْبَسُوهُ كُسْوَتَهُ، وَوَضَعُوا عَلَى رَأْسِهِ التَّاجَ، فَوَجَدُوا عُمَرَ نَائِمًا فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ الْهُرْمُزَانُ: أَيْنَ عُمَرُ؟ قَالُوا: هَا هُوَ ذَا، قَالَ: أَيْنَ حُرَّاسُهُ وَحُجَّابُهُ، قَالُوا: لَيْسَ لَهُ حَارِسٌ وَلا حَاجِبٌ، قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا، قَالُوا: بَلْ يَعْمَلُ عَمَلَ الأَنْبِيَاءِ.
وَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ، فَقَالَ: الْهُرْمُزَانُ، قَالُوا: نَعَمْ هَذَا مَلِكُ الأَهْوَازِ فَكَلِّمْهُ، فَقَالَ: لا حَتَّى لا يَبْقَى مِنْ حُلِيِّهِ شَيْءٌ، فَرَمَوْا مَا عَلَيْهِ وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبًا صَفِيقًا، فَقَالَ عُمَرُ: يَا هُرْمُزَانُ كَيْفَ رَأَيْتَ وَبَالَ الْغَدْرِ؟ فَقَالَ: يَا عُمَرُ، إِنَّا وَإِيَّاكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ اللَّهُ قَدْ خَلَّى بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، فَغَلَبْنَاكُمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَنَا وَلا مَعَكُمْ، فَلَمَّا كَانَ مَعَكُمْ غَلَبْتُمُونَا. فَقَالَ عُمَرُ: مَا عُذْرُكَ [وَمَا حُجَّتُكَ] [١] فِي انْتِقَاضِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ؟ فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ تَقْتُلَنِي قَبْلَ أَنْ أُخْبِرَكَ، قَالَ: لا تَخَفْ ذَلِكَ، وَاسْتَسْقَى مَاءً فَأُتِيَ به في قدح غليظ، فقال: لومت عَطَشًا لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَشْرَبَ فِي هَذَا، فَأُتِيَ بِهِ فِي إِنَاءٍ يَرْضَاهُ، فَجَعَلَتْ يَدُهُ تَرْعَدُ، وَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أُقْتَلَ وَأَنَا أَشْرَبُ الْمَاءَ، فَقَالَ عُمَرُ: لا بَأْسَ عَلَيْكَ حَتَّى تَشْرَبَهُ، فَأَكْفَأَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَعِيدُوا عَلَيْهِ، وَلا تَجْمَعُوا عَلَيْهِ الْقَتْلَ وَالْعَطَشَ، فَقَالَ: لا حَاجَةَ لِي فِي الْمَاءِ، إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أُسْتَأْمَنَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنِّي قَاتِلُكَ، قال: قد آمنتني، قال: كذبت، فقال:
أَنَسٌ: صَدَقَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ آمَنْتَهُ، قَالَ: وَيْحَكَ يَا أَنَسُ، أَنَا أُؤْمِنُ قَاتِلَ مَجْزَأَةَ بْنِ ثَوْرٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ، وَاللَّهِ لَتَأْتِيَنَّ بِمَخْرَجٍ أَوْ لأُعَاقِبَنَّكَ، قَالَ: قُلْتَ لَهُ: لا بأس عليك
[١] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ظ، أ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute