فَاخْتَصَمَا بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «يَأْخُذُ الدِّيَةَ» . فَأَبَى عُيَيْنَةُ، فَلَمْ يَزَلْ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى قَبِلُوهَا، فَقَالَ النَّاسُ لِمُحَلِّمٍ: ائْتِ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ، فَقَامَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ قَدْ تَهَيَّأَ فِيهَا لِلْقَصَاصِ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيِ النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ كَانَ مِنَ الأَمْرِ مَا بَلَغَكَ، وَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَقَالَ:
مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مُحْلِمُ بْنُ جِثَّامَةَ، قَالَ: قَتَلْتَهُ بِسِلاحِكَ فِي غَيْرَةِ الإِسْلامِ، اللَّهمّ لا تَغْفِرْ لِمُحْلِمِ بْنِ جُثَامَةَ، بِصَوْتٍ عَالٍ أَنْفَذَ بِهِ النَّاسَ، فَعَادَ فَقَالَ: قَدْ كَانَ الَّذِي بَلَغَكَ، وَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَعَادَ النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِصَوْتٍ عَالٍ: «اللَّهمّ لا تَغْفِرْ لِمُحْلِمِ بْنِ جُثَامَةَ» ثَلاثًا. فَقَامَ مِنْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يَتَلَقَّى دُمُوعَهُ بِفَضْلِ رِدَائِهِ. فَقَالَ ضَمْرَةُ الأَسْلَمِيُّ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِالاسْتِغْفَارِ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَن يُعَلِّمَ النَّاسَ قَدْرَ الدَّمِ عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ ضَمْرَةَ قَدْ شَهِدَ ذَلِكَ الْيَوْمَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَمَّا مَاتَ مُحْلِمُ بْنُ جِثَّامَةَ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ بَعْدَ دَفْنِهِ، ثُمَّ دَفَنُوهُ فَلَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَطَرَحُوهُ فَأَكَلَتْهُ السِّبَاعُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّهَا لَتُقْبَلُ مِمَّنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَحَبَّ أَن يُرِيَكُمْ.
قَالَ الواقدي: نزل محلم حمص وتوفي بها
.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute