للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُنْيَاهُمْ أَحْنَى مِنْكُمْ [١] عَلَى دِينِكُمْ، وَإِنَّكُمْ تَنْتَظِرُونَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ: مِنْ بَيْنِ شَهِيدٍ حَيٍّ مَرْزُوقٍ، أَوْ فَتْحٍ قَرِيبٍ، فَاسْتَعِدُّوا، فَإِنِّي مُكَبِّرٌ ثَلاثًا، فَإِذَا كَبَّرْتُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى فَلْيَتَهَيَّأْ مَنْ لَمْ يَكُنْ تَهَيَّأَ، فَإِذَا كَبَّرْتُ الثَّانِيَةَ فَلْيَشُدَّ سِلاحَهُ وَلْيَتَأَهَّبْ لِلنُّهُوضِ، فَإِذَا كَبَّرْتُ الثَّالِثَةَ فَإِنِّي حَامِلٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَاحْمِلُوا مَعًا، اللَّهمّ أَعِزَّ دِينَكَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ، وَاجْعَلِ النُّعْمَانَ أَوَّلَ شَهِيدٍ.

فَلَمَّا كَبَّرَ وَحَمَلَ حَمَلَ النَّاسُ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالا لَمْ يَسْمَعِ السَّامِعُونَ بِمِثْلِهِ، فَزَلِقَ فَرَسُ النُّعْمَانِ بِهِ فِي الدِّمَاءِ فَصَرَعَهُ، وَأُصِيبَ النُّعْمَانُ حِينَئِذٍ، فَتَنَاوَلَ الرَّايَةَ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ مُقَرِّنٍ، وَسَجَّى النُّعْمَانَ بِثَوْبٍ، وَأَتَى حُذَيْفَةُ فَأَقَامَ اللِّوَاءَ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: اكْتُمُوا مُصَابَ أَمِيرِكُمْ حَتَّى نَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ اللَّهُ فِينَا/ وَفِيهِمْ، لَكَيْلا يَهِنَ النَّاسُ، فَاقْتَتَلُوا حَتَّى إِذَا أَظْلَمَ اللَّيْلُ [٢] ، انْكَشَفَ الْمُشْرِكُونَ، وَالْمُسْلِمُونَ مُلِظُّونَ بِهُمْ، فَتَهَافَتُوا فِي الْحَفْرِ الَّذِي نَزَلُوا دُونَهُ، فَمَاتَ مِنْهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ، سِوَى مَنْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَلَمْ يَفْلِتُ إِلا الشَّرِيدُ، وَنَجَا الْفِيرَزَانُ، فَهَرَبَ نَحْوَ هَمَذَانَ، فَأَتْبَعَهُ نُعَيْمُ بْنُ مُقَرِّنٍ، وَقَدِمَ الْقَعْقَاعُ قُدَّامَهُ، فَأَدْرَكَهُ حَتَّى انْتَهَى [٣] إِلَى ثَنِيَّةِ هَمَذَانَ، وَالثَّنِيَّةُ مَشْحُونَةٌ بَيْنَ بِغَالٍ وَحَمِيرٍ مُوَقَّرَةٍ عَسَلا، فَحَبَسَتْهُ الدَّوَابُّ عَلَى أَجَلِهِ، فَقَتَلَهُ عَلَى الثَّنِيَّةِ. وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ للَّه جُنُودًا مِنْ عَسَلٍ، وَاسْتَاقُوا الْعَسَلَ، وَمَضَى الْفُلالُ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى هَمَذَانَ وَالْخَيْلُ فِي آثَارِهِمْ، فَدَخَلُوهَا، فَنَزَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِم، وَحَوَوْا مَا حَوْلَهَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ خِسْرُوشنومَ [٤] اسْتَأَمَنَهُمْ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ لَهُمْ هَمَذَانَ [وَدَسْتَبَي] [٥] .

وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ هَزِيمَةِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ نُهَاوَنْدَ مَدِينَةَ نُهَاوَنْدَ وَاحْتَوَوْا مَا فِيهَا وَمَا حَوْلَهَا.

فَبَيْنَمَا هُمْ يَتَوَقَّعُونَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ إِخْوَانِهِمْ بِهَمَذَانَ، أَقْبَلَ الْهِرْبِذُ عَلَى أَمَانٍ، فَقَالَ لِحُذَيْفَةَ: أَتُؤْمِنُنِي عَلَى أَنْ أُخْبِرَكَ بِمَا أَعْلَمُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّ النّخيرجانَ وَضَعَ عِنْدِي


[١] في الطبري: «أحمى منكم» .
[٢] في الطبري: «أظلهم الليل» .
[٣] في الطبري: «حين انتهى» .
[٤] في الأصل: «خرشنوم» .
[٥] ما بين المعقوفتين: من الطبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>