للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ سبق ذكر أحواله فِي المجاهدات، وَكَانَ شجاعا، فكان يَقُول: لا أدري من أي يومي أفر، من يَوْم أراد اللَّه أَن يهدي لي فِيهِ شهادة، أَوْ من يَوْم أراد أَن يهدي لي فِيهِ كرامة.

[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ قالا: أخبرنا ابن النقور قال:

أخبرنا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قال:

حدثنا شعيب قال: حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُبَشِّرٍ،] [١] عَنْ سَالِمٍ قَالَ: حَجَّ عُمَرُ، وَاشْتَكَى خَالِدٌ بَعْدَهُ وَهُوَ خَارِجٌ من المدينة زائرا الأمة، فَقَالَ لَهَا: احْذَرُونِي إِلَى مُهَاجَرَتِي، فَقَدِمَتْ بِهِ الْمَدِينَةَ وَمَرَّضَتْهُ، فَلَمَّا ثَقُلَ وَأَطَلَّ عُمَرُ لَقِيَهُ لاقٍ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلاثٍ، صَادِرًا عَنْ حَجِّهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَهْيَمْ. فَقَالَ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. لِمَا بِهِ. فَطَوَى ثَلاثًا فِي لَيْلَةٍ، فَأَدْرَكَهُ حِينَ قَضَى، فَرَقَّ عَلَيْهِ وَاسْتَرْجَعَ، وَجَلَسَ بِبَابِهِ حَتَّى جُهِّزَ، وَبَكَتْهُ الْبَوَاكِي، فَقِيلَ لِعُمَرَ: أَلا تَسْمَعُ؟! أَلا تَنْهَاهُنَّ؟ فَقَالَ: وَمَا عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يَبْكِينَ أَبَا سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ- النَّقْعُ: الشَّقُّ. وَاللَّقْلَقَةُ: الصَّوْتُ] [٢]- فَلَمَّا أُخْرِجَ بِجِنَازَتِهِ رَأَى عُمَرُ امْرَأَةً مُحْتَرِمَةً تَبْكِيهِ وَتَقُولُ:

أَنْتَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ أَلْفٍ مِنَ النَّاسِ ... إِذَا مَا كُبَّتْ [٣] وُجُوهُ الرِّجَالِ

أَشُجَاعٌ فَأَنْتَ أَشْجَعُ مِنْ لَيْثِ ... عَرِينٍ جَهْمٍ أَبِي أَشْبَالِ

أَجَوَّادٌ فَأَنْتَ أَجْوَدُ مِنْ سَيْلٍ ... دِيَاسٍ يَسِيلُ بَيْنَ الْجِبَالِ

فَقَالَ عُمَرُ: من هذه؟ فقيل: أمه. فقال: أمه والهالة [٤]- ثَلاثًا- هَلْ قَامَتِ النِّسَاءُ عَنْ مِثْلِ خَالِدٍ.

وَكَانَ عُمَرُ يَتَمَثَّلُ فِي طَيِّهِ تِلْكَ الثَّلاثِ في ليلة وبعد ما قدم:

تبكّي مَا وَصَلْتَ بِهِ النَّدَامَى ... وَلا تَبْكِي فَوَارِسَ كالجبال


[١] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن سالم» .
[٢] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[٣] في ت: «ما دنت» .
[٤] في ت: «ايه والإله» .
في الأصل: «والى له» .

<<  <  ج: ص:  >  >>