للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القبول في قلوب الخلق فوق الحد، وأوقع كلامي في نفوسهم، فلا يرتابون بصحته، وقد أسلم على يدي نحو مائتين من أهل الذمة، ولقد تاب في مجالسي أكثر من مائة ألف، وقد قطعت أكثر من عشرين ألف سالف مما يتعاناه الجهال» [١] .

وفي حقيقة الأمر أن ابن الجوزي كواعظ يحتاج إلى دراسة متوسعة تتناول أسلوبه ومنهجه ونماذج من وعظه وأثر وعظه على المجتمع الّذي كان يعيش فيه، مما يجعلنا نقتصر في هذا المقام على مجرد الإشارة إلى ابن الجوزي الواعظ كجانب من جوانب نبوغه وعلمه فقط.

قال ابن رجب: «إن مجالسه الوعظية لم يكن لها نظير، ولم يسمع بمثلها، وكانت عظيمة النفع، يتذكر بها الغافلون، ويتعلم منها الجاهلون، ويتوب فيها المذنبون، ويسلم فيها المشركون» [٢] .

ولعل من أبرز ما كتبه في الوعظ: «التبصرة» ، و «المنتخب» ، و «المدهش» ، و «بحر الدموع» .

أما في الفقه فلا بد وأن يكون فقيها، وكيف لا وهو الواعظ المفسر الحافظ، فهو حنبلي المذهب مجتهد في بعض الآراء، فمن أبرز ما ألّف في الفقه: «الإنصاف في مسائل الخلاف» و «عمدة الدلائل في مشهور المسائل» و «المذهب في المذهب» و «مسبوك الذهب» وغير ذلك.

وفي التاريخ هو من المتوسعين، وليس أدل على ذلك من كتاب «المنتظم» هذا الّذي نحن بصدد التقديم له. كما أن كتب المناقب التي كتبها تعد موسوعة تاريخية متخصصة كل في موضوعة، منها «مناقب أحمد بن حنبل» ، و «مناقب بغداد» ، و «مناقب الحسن البصري» ، و «مناقب عمر بن الخطاب» ، و «مناقب عمر بن عبد العزيز» ، و «مناقب سفيان الثوري» وغيرها.

هذا بالإضافة إلى نبوغه في الأدب واللغة والشعر، فقد قال الذهبي: «ونظم الشعر المليح وكتب بخطه ما لا يوصف، ورأى من القبول والاحترام ما لا مزيد عليه» [٣] .


[١] لفتة الكبد، لابن الجوزي ص ٢٥١.
[٢] الذيل على طبقات الحنابلة، لابن رجب ٣/ ٤١.
[٣] العبر في خبر من غبر، للذهبي ٤/ ٢٩٧، ٢٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>