للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ تَامًّا، رُدُّونِي، فَانْصَرَفَتْ رَاجِعَةً إِلَى مَكَّةَ حَتَّى إِذَا دَخَلَتْهَا أَتَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيُّ- وَكَانَ أَمِيرَ عُثْمَانَ عَلَيْهَا- فَقَالَ: مَا رَدَّكِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَتْ: رَدَّنِي أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا، وَأَنَّ الأَمْرَ لا يَسْتَقِيمُ وَلِهَذِهِ الْغَوْغَاءِ أَمْرٌ، فَاطْلُبُوا بِدَمِ عُثْمَانَ تُعِزُّوا الإِسْلامَ.

فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَجَابَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيُّ، وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَتْ بَنُو أُمَيَّةَ بِالْحِجَازِ وَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ، وَقَامَ مَعَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ وَسَائِرُ بَنِي أُمَيَّةَ. وَقَدْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ مِنَ الْبَصْرَةِ، وَيَعْلَى بْنُ أُمَيَّة مِنَ الْيَمَنِ، وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَاجْتَمَعُ مَلَؤُهُمْ بَعْدَ نَظَرٍ طَوِيلٍ فِي أُمُورِهِمْ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ فِي مُقَامٍ آخَرَ: يا أيها النَّاسُ، إِنَّ هَذَا حَدَثٌ عَظِيمٌ وَأَمْرٌ مُنْكَرٌ، فَانْهَضُوا فِيهِ إِلَى إِخْوَانِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَأَنْكِرُوهُ، فَقَدْ كَفَاكُمْ أَهْلُ الشَّامِ مَا عِنْدَهُمْ، لَعَلَّ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْرِكَ لِعُثْمَانَ وللمسلمين بثأرهم.

٣٠/ أوحدّثنا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، وَطَلْحَةَ، قَالا [١] : كَانَ أَوَّلَ/ مَنْ أَجَابَ إِلَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ وَبَنُو أُمَيَّةَ، ثُمَّ قَدِمَ يَعْلَى بْنُ أمية ومعه ستمائة بعير وستمائة أَلْفٍ، فَأَنَاخَ بِالأَبْطَحِ مُعَسْكِرًا، وَقَدِمَ عَلَيْهِمْ طَلْحَةُ والزبير، فلقيا عائشة رضي الله عنها، فقالت: مَا وَرَاءَكُمَا؟ فَقَالا: إِنَّا تَحَمَّلْنَا هُرَّابًا مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ غَوْغَاءَ وَأَعْرَابٍ، وَفَارَقْنَا قَوْمًا حَيَارَى لا يَعْرِفُونَ [حَقًّا] [٢] وَلا يُنْكِرُونَ بَاطِلا، فَائْتَمَرَ الْقَوْمُ بِالشَّامِ.

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ: قَدْ كَفَاكُمُ الشَّامُ مَنْ يَسْتَمِرُّ فِي حَوْزَتِهِ، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ: فَأَيْنَ؟ قَالَ: الْبَصْرَةُ، فَإِنَّ لِي بِهَا صَنَائِعَ، وَلَهُمْ فِي طَلْحَةَ هَوًى، فَقَالُوا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، دَعِي الْمَدِينَةَ وَاشْخَصِي مَعَنَا إِلَى الْبَصْرَةِ فَتُنْهِضِيهِمْ كَمَا أَنْهَضْتِ أَهْلَ مَكَّةَ، فَإِنْ أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمْرَ كَانَ الَّذِي تُرِيدِينَ، وَإِلا احْتَسَبْنَا وَدَفَعْنَا عَنْ هَذَا الأَمْرِ بِجَهْدِنَا [٣] ، قَالَتْ: نَعَمْ.

فَانْطَلَقُوا إِلَى حَفْصَةَ، فَقَالَتْ: رَأْيٌ تَبَعٌ لِرَأْيِ عَائِشَةَ، حَتَّى إِذَا لم يبق إلا


[١] الخبر في تاريخ الطبري ٤/ ٤٥٠.
[٢] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.
[٣] في الأصل: «ودفعنا بجهدنا عن هذا الأمر» .

<<  <  ج: ص:  >  >>