للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ الله يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ١٦: ٩١ [١] ، فقَالَ حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه، فقَالَ له علي: ما هو ذنب ولكن عجز من الرأي، ٥١/ ب وضعف من العمل وقد/ نهيتكم عنه، فقَالَ له زرعة: أما والله يا علي، لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله قاتلتك أطلب بذلك وجه الله ورضوانه، فقَالَ علي: بؤسا لك، ما أشقاك، كأني بك قتيلا تسفِي عليك الريح، فقَالَ: وددت أن قد كان ذلك.

فخرج علي يوما فخطب، فقالوا من جوانب المسجد: لا حكم إلا الله، وصاح منهم رجل بعلي رضي الله عنه، فقَالَ: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ من الْخاسِرِينَ ٣٩: ٦٥ [٢] فقَالَ علي: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ٣٠: ٦٠ [٣] . فاجتمعت الخوارج فِي منزل عَبْد اللَّهِ بن وهب الراسبي، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: ما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن، وينيبون إلى حكم القرآن أن تكون هذه الدنيا التي [الرضا بها والركون بها والإيثار إياها عناء وتبار] [٤] آثر عنده من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بالحق، فاخرجوا بنا إلى إخواننا من بين أهل هذه القرية الظالم أهلها إلى جانب هذا السواد، وإلى بعض كور الجبال أو إلى بعض هذه المدائن منكرين لهذه البدع المضلة، والأحكام الجائرة.

فقَالَ حرقوص بن زهير: إن المتاع بهذه الدنيا قليل، وإن الفراق لها وشيك، فلا تدعونكم زينتها وبهجتها إلى المقام بها، ولا تلفتنكم عن طلب الحق وإنكار الظلم، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.

فقَالَ حمزة بن سنان الأسدي: يا قوم، إن الرأي ما رأيتم، وإن الحق ما ذكرتم، فولوا أمركم هذا رجلا منكم، فإنه لا بد لكم من عماد وسناد وراية تحفون بها، وترجعون إليها.


[١] سورة: النحل، الآية: ٩١.
[٢] سورة: الزمر، الآية: ٦٥.
[٣] سورة: الروم، الآية: ٦٠.
[٤] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري ٥/ ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>