عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَمِيعٌ عَلِيمٌ» ٢: ١٨١، فيكتب «عَلِيمٌ حَكِيمٌ» ٤: ٢٦. فيقرأه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقِرُّهُ، فَافْتَتَنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعٍد، وَقَالَ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ مَا يَقُولُ، إِنِّي لأَكَتْبُ لَهُ مَا شِئْتُ، هَذَا الَّذِي يُوحَى إِلَيَّ كَمَا يُوحَى إِلَى مُحَمَّدٍ. وَخَرَجَ هَارِبًا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ مُرْتَدًّا، فَأَهْدَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَجَاءَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ- وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ- فَقَالَ: يَا أَخِي إِنِّي وَاللَّهِ اخْتَرْتُكَ على غيرك فاحبسني هاهنا، وَاذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلِّمْهُ فِيَّ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا إِنْ رَآنِي ضَرَبَ الَّذِي فِيهِ عَيْنَايَ، فَإِنَّ جُرْمِي أَعْظَمُ الْجُرْمِ، وَقَدْ جِئْتُ تَائِبًا، فَقَالَ عُثْمَانُ: بَلِ اذهب معي، فقال: والله/ لئن ٥٨/ ب رَآنِي لَيَضْرِبَنَّ عُنُقِي فَقَدْ أَهْدَرَ دَمِي وَأَصْحَابُهُ يَطْلُبُونَنِي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ:
انْطَلِقْ مَعِي فَلا يَقْتُلَنَّكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَرْعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بعثمان آخذا بيد عبد الله ابن أَبِي سَرْحٍ وَاقِفَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تَحْمِلُنِي وَتُمْشِيهِ، وَتُرْضِعُنِي وَتَفْطِمُهُ، وَكَانَتْ تَلْطُفُنِي [١] وَتَتْرُكُهُ فَهَبْهُ لِي، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ عُثْمَانُ كُلَّمَا أَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهِهِ اسْتَقْبَلَهُ فَيُعِيدُ عَلَيْهِ هَذَا الْكَلامَ، وَإِنَّمَا أَعْرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِرَادَةَ أَنْ يَقُومَ رَجُلٌ فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْهُ.
فَلَمَّا رَأَىَ أَلا يَقُومَ أَحَدٌ وَعُثْمَانُ قَدْ أَكَبَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ رَأْسَهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُبَايِعُهُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمْ أَنْ يَقُومَ رَجُلٌ مِنْكُمْ إِلَى هَذَا الْكَلْبِ فَيَقْتُلَهُ» - أَوْ قَالَ: الْفَاسِقِ- فَقَالَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ: أَلا أومأت إليّ يا رسول الله، فو الّذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لأَتْبَعُ طَرَفَكَ مِنْ كُلِّ ناحية رجاء أن تشير إلي فأضرب عُنُقِهِ- وَيُقَالُ: قَالَهُ أَبُو الْيُسْرِ، وَيُقَالُ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَلَعَلَّهُمْ قَالُوا جَمِيعًا- فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لا أَقْتُلُ بِالإِشَارَةِ» .
وَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ يومئذ: «إن النبي لا تَكُونُ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ» فَبَايَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الإِسْلامِ، وَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ كُلَّمَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفِرُّ مِنْهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَاهُ يَفِرُّ مِنْكَ كُلَّمَا رَآكَ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «أو لم أبايعه وأؤمنه» قال: بلى وَلَكِنَّهُ يَتَذكر عِظَمَ جُرْمِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الإِسْلامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» فَرَجَعَ عُثْمَانُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ فَأَخْبَرَهُ فَكَانَ/ بَعْدَ ذَلِكَ يَأْتِي فَيُسَلِّمُ عَلَى ٥٩/ أرسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ.
[١] في الأصل: «تطلقني» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute