أَيَّامًا، وَأَرَادَ عُمَرُ الْحَجَّ، فَخَرَجَ مَعَهُ، وَكَانَ النَّاسُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ هَيْئَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَطِئَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إِزَارَهُ مِنْ خَلْفِهِ فَانْحَلَّ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَهَشَّمَ أَنْفَ الْفَزَارِيِّ، فَمَضَى يَسْتَعْدِي عُمَرَ عَلَيْهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَأَتَى فَقَالَ: هَشَّمْتَ أَنْفَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، اعْتَمَدَ حَلَّ إِزَارِي، وَلَوْلا حُرْمَةُ الْكَعْبَةِ لَضَرَبْتُ بِالسَّيْفِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَقْرَرْتَ، فَإِمَّا أَنْ تُرْضِيَ الرَّجُلَ وَإِلا أَقَدْتُهُ مِنْكَ، قَالَ: أَوَ خَطَر هُوَ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ وَأَنَا مَلِكٌ وَهُوَ سُوقَةٌ؟ قَالَ عُمَرُ: الإِسْلامُ جَمَعَكُمَا، قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنِّي أَكُون فِي الإِسْلامِ أَعَزَّ مني في الجاهلية، قال عمر: هُوَ مَا تَرَى، فَقَالَ: إِذِنْ أَتَنَصَّرُ، قَالَ:
إِنْ فَعَلْتَ قَتَلْتُكَ. وَاجْتَمَعَ مِنْ حَيِّ الْفَزَارِيِّ وَحَيِّ جَبَلَةَ عَلَى بَابِ عُمَرَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَقَالَ:
أنا أَنْظُرُ فِي هَذَا الأَمْرِ لَيْلَتِي هَذِهِ. فَانْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا ادْلَهَمَّ اللَّيْلُ تحمل بأصحابه إلى الشام في خمسمائة حَتَّى دَخَلَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ فِي زَمَنِ هِرْقِلَ] [١] فَتَنَصَّرَ وَقَوْمُهُ فَأَقْطَعَهُ هِرْقِلُ مَا شَاءَ، وَأَجْرَى عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَجَعَلَهُ مِنْ سُمَّارِهِ.
فَمَكَثَ دَهْرًا ثُمَّ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى هِرْقِلَ كِتَابًا وَبَعَثَهُ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَجَابَ هِرْقِلُ بِمَا أَرَادَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ للرَّجُلِ: هَلْ لَقِيتَ ابْنَ عَمِّكَ جَبَلَةَ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَالْقِهِ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَمَا أَخَالَنِي رَأَيْتُ ثِيَابَ هِرْقِلَ مِنَ السُّرُورِ وَالْبَهْجَةِ مَا رَأَيْتُ مِنْ ثِيَابِ جَبَلَةَ، فَاسْتَأْذَنْتُ، فَأَذِنَ وَقَامَ وَرَحَّبَ بِي عَانَقَنِي وَعَاتَبَنِي فِي تَرْكِ النُّزُولِ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ في بهو عظيم من التماثيل والهول مالا أُحْسِنُ أَصِفُهُ وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ، لَهُ أَرْبَعُ قَوَائِمَ رَأْسُهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ أَصْهَبُ ذُو سِبَالٍ، وَإِذَا هُوَ قَدْ أَمَرَ بِالذَّهَبِ الأَحْمَرِ فَسُحِلَ فَذُرَّ فِي لِحْيَتِهِ، وَاسْتَقْبَلَ عَيْنَ الشَّمْسِ ثُمَّ أَجْلَسَنِي عَلَى كُرْسِيٍّ مِنْ ذَهَبٍ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُهُ انْحَدَرْتُ عَنْهُ وَقُلْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ هَذَا، وَسَأَلَنِي عَنِ النَّاسِ وَأَلْحَفَ فِي السُّؤَالِ عَنْ عُمَرَ، ثُمَّ عَرَفْتُ الْحُزْنَ فِيهِ، فَقُلْتُ: مَا يَمْنَعُكَ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى قَوْمِكَ وَالإِسْلامِ؟ قَالَ:
بَعْدَ الَّذِي كَانَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَدْ كَانَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ ارْتَدَّ وَضَرَبَهُمْ بِالسُّيُوفِ وَمَنَعَهُمُ الزَّكَاةَ ثُمَّ دَخَلَ فِي الإِسْلامِ، وَزَوَّجَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أُخْتَهُ، فَقَالَ: دَعْ هَذَا عَنْكَ، ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى وَصِيفٍ قَائِمٍ عَلَى رَأْسِهِ فَوَلَّى، فَمَا شَعَرْنَا إِلا بِالصَّنَادِيقِ يَحْمِلُهَا الرِّجَالُ، فَوُضِعَتْ أَمَامَنَا مَائِدَةً مِنْ ذَهَبٍ فَاسْتَعْفَيْتُ مِنْهَا، فَأَتَى بِمَائِدَةِ خَلَنْجَ، فوضعت أمامي
[١] إلى هنا انتهى السقط من الأصل الّذي سبق التنبيه عليه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute