للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُنْتُ أُعَالِجُ الْبَزَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكُنْتُ رَجُلا تَاجِرًا أَخْرُجُ إِلَى الْيَمَنِ وَإِلَى الشَّامِ فِي الرِّحْلَتَيْنِ، وَكُنْتُ أَرْبَحَ أَرْبَاحًا كَثِيرَةً فَأَعُودُ عَلَى فُقَرَاءِ قَوْمِي وَنَحْنُ لا نَعْبُدُ شَيْئًا نُرِيدُ بِذَلِكَ ثَرَاءَ الأَمْوَالِ وَالْمَحَبَّةَ فِي الْعَشِيرَةِ، وَكُنْتُ أحضر للأسواق، وكان لنا ثلاثة أسواق:

١١٠/ ب سوق بعكاظ يَقُومُ صُبْحَ هِلالِ ذِي/ الْقِعْدَةِ، فَيَقُومُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَيَحْضُرُهَا الْعَرَبُ، وَبِهَا ابْتَعْتُ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ لِعَمَّتِي خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غلام، فأخذته بستمائة دِرْهَمٍ، فَلَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ سَأَلَهَا زَيْدًا، فَوَهَبَتْهُ لَهُ فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَبِهَا ابْتَعْتُ حُلَّةَ ذِي يَزَنَ، كَسَوْتُهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رأيت أَحَدًا قَطُّ أَجْمَلَ وَلا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَلْكَ الْحُلَّةِ.

قَالَ: وَيُقَالُ: [١] إِنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَدِمَ بِالْحُلَّةِ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ يُرِيدُ الشَّامَ فِي عِيرٍ، فَأَرْسَلَ بِالْحُلَّةِ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْبَلَهَا، وَقَالَ: «لا أَقْبَلُ هدية مشرك» ، قال حَكِيمٌ: فَجَزِعْتُ جَزَعًا شَدِيدًا حَيْثُ رَدَّ هَدِيَّتِي، وَبِعْتُهَا بِسُوقِ النّبْطِ مِنْ أَوَّلِ سَائِمٍ سَامَنِي، وَدَسَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَاشْتَرَاهَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا بَعْدُ.

وَكان سُوقُ مَجَنَّةَ تَقُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ حَتَّى إِذَا رَأَيْنَا هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ انْصَرَفْنَا وَانْتَهَيْنَا إِلَى سُوقِ ذِي الْمَجَازِ تُقَامُ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ.

وَكُلُّ هَذِهِ الأَسْوَاقِ أَلْقَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوَاسِمِ يَسْتَعْرِضُ الْقَبَائِلَ قَبِيلَةً قَبِيلَةً يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَلا أَرَى أَحَدًا يَسْتَجِيبُ، وَقُرَيْشٌ أَشَدُّ الْقَبَائِلِ عَلَيْهِ حَتَّى بَعَثَ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَوْمًا أَرَادَ بِهِمْ كَرَامَةَ هَذَا الْحَيِّ مِنَ الأَنْصَارِ فَبَايَعُوهُ وَآمَنُوا بِهِ وَبَذَلُوا لَهُ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ دَارَ هِجْرَةٍ. فَلَمَّا حَجَّ مُعَاوِيَةُ سَامَنِي بِدَارِي بِمَكَّةَ فَبِعْتُهَا مِنْهُ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: مَا يَدْرِي هَذَا الشَّيْخُ مَا يَبِيعُ لَيُرَدَّنَّ عَلَيْهِ بَيْعُهُ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا ابْتَعْتُهَا إِلا بِزِقٍّ مِنْ خَمْرٍ. وَكَانَ حَكِيمٌ يَشْتَرِي الظّهْرَ وَالأَدَاةَ وَالزَّادَ ثُمَّ لا يَجِيئُهُ أَحَدٌ يَسْتَحْمِلُهُ في السبيل إلا حمله.


[١] جمهرة نسب قريش ١/ ٣٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>