فلما دفنه عمرو ووقف الناس بالبقيع فعزوه، ثم ركب رواحله إلى معاوية، فقدم عليه فنعاه له، فاسترجع وتوجع لموته، ثم قَالَ: هل ترك من دين؟ قَالَ: نعم، قَالَ:
فكم؟ قال: ثلاثمائة ألف درهم، قَالَ: هي علي، قَالَ: قد أبى ذلك وأمرني أن أقضي عنه من أمواله، أبيع ما استباع منها، قَالَ: فاعرضني ما شئت، قَالَ: أنفسها وأحبها إلينا وإليه فِي حياته، منزله فِي العرصة، فقَالَ له معاوية: هيهات لا تبيعون هذا المنزل، انظر غيره، قَالَ: فما نصنع، نحب تعجيل قضاء دينه، قال: قد أخذته بثلاثمائة ألف درهم، قَالَ: اجعلها بالواقية- يريدون درهم فارس، الدرهم زنة مثقَالَ الذهب- قَالَ: قد فعلت، قَالَ: فاحملها إلى المدينة، قَالَ: قد فعلت، فحملها له، فقدم عمرو بن سعيد فجعلها فِي ديونه وحاسبهم بما بين الدراهم الواقية- وهي البعلية- وبين الدراهم الجوار- وهي تنقص فِي العشرة ثلاثة، كل سبعة بالبعلية عشرة بالجوار- حتى أتاه فتى من قريش فذكر حقا له فِي كراع أديم بعشرين ألف درهم على سعيد بن العاص بخط مولى لسعيد كان يقوم لسعيد على بعض نفقاته، وشهادة سعيد على نفسه بخط سعيد، فعرف خط المولى وخط أبيه وأنكر أن يكون للفتى- وهو صعلوك من قريش- هذا المال، فأرسل إلى مولى أبيه الصك فلما قرأه المولى بكى ثم قَالَ: نعم أعرف هذا الصك، وهو حق، دعاني مولاي فقَالَ لي وهذا الفتى عنده على بابه، معه هذه القطعة الأديم: اكتب، فكتبت بإملائه هذا الحق، فقَالَ عمرو للفتى: وما سبب مالك هذا؟
قَالَ: رأيته يمشي وحده فقمت مشيت حتى بلغ باب منزله، ثم وقفت، فقَالَ: هل من حاجة؟ فقلت: لا، إلا أني رأيتك تمشي وحدك فأحببت أن أصل جناحك، فقَالَ:
وصلتك رحم يا ابن أخي، ابغني قطعة أديم، فأتيت خرازا عند باب داره فأخذت منه ١٢٢/ أهذه القطعة، فدعا مولاه هذا فقَالَ: اكتب، فكتب عن أبيك هذا الكتاب وكتب فيه شهادته/ على نفسه ثم دفعه إلي وقَالَ: يا ابن أخي، ليس عندنا اليوم شيء، فخذ هذا الكتاب فإذا أتانا شيء فاتنا به إن شاء الله، فمات رحمه الله قبل أن يأتيه شيء. قال عمرو: لا جرم، لا تأخذها إلا وافية، فدفعها إليه.
وروى الزبير من طريق آخر: أن معاوية اشترى العرصة بألف ألف درهم، وكان دين سعيد ثلاثة آلاف درهم، فاشترى معاوية العرصة من ابن سعيد بألف ألف، والنخل بألف ألف، والمزارع بألف ألف.