ثم جاء إلى داره فنزلها، فقال: قاتلهم الله، ما أحمقهم حين يرون أني أفي لهم، أما حلفي باللَّه عز وجل فإنه ينبغي لي إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها أن أكفره، وخروجي عليهم خير من كفي عنهم. وأما ألف بدنة فما قدر ثمنها، وأما عتق مماليكي فوددت إن استتب لي أمري، ثم لم أملك مملوكا أبدا.
ولما استقر في داره اختلفت الشيعة إليه ورضيت به، فلم يزل أمره يقوى إلى أن عزل عبد الله بن الزبير عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد، وبعث عبد الله بن مطيع على عملهما بالكوفة، وبعث الحارث بن أبي ربيعة على البصرة، فقدم ابن مطيع الكوفة لخمس بقين من رمضان سنة خمس وستين، فقيل له: خذ المختار واحبسه، فبعث إليه فتهيأ للذهاب، فقرأ زائدة بن قدامة: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ... ٨: ٣٠ [١] ففهمها المختار، فجلس وألقى ثيابه، وقال: ألقوا علي القطيفة، ما أراني إلا قد وعكت، ثم قال: أعلموا ابن مطيع حالتي واعتذروا عنده، فأخبر بعلته، فصدقه ولهى عنه، وبعث المختار إلى أصحابه، وأخذ يجمعهم في الدور حوله، وأراد أن يثب بالكوفة في المحرم، فقال: بعض أصحابه لبعض: إن المختار يريد أن يخرج بنا وقد بايعناه ولا ندري أرسله إلينا ابن الحنفية أم لا، فانهضوا بنا إلى ابن الحنفية، فإن رخص لنا في اتباعه تبعناه، فذهبوا إليه فأخبروه فقال: والله لوددت أن الله انتصر لنا بمن أشاء، فلما قدموا قالوا: أذن لنا، ففرح المختار، وكان قد انزعج/ من خروجهم وخاف أن لا يأذن لهم، وقد كان إبراهيم بن الأشتر بعيد الصوت كثير العشيرة، فأرادوه أن يخرج مع المختار، فقال: بل أكون أنا الأمير، قالوا: إن محمد بن الحنفية قد أمر المختار بالخروج، فسكت، فصنع المختار كتابا عن ابن الحنفية إليه يأمره بالموافقة للمختار، وأقام من يشهد أنه كتاب ابن الحنفية، فبايعه وتردد إليه، فاجتمع رأيهم على أن يخرجوا ليلة الخميس لأربع عشرة من ربيع الأول سنة ست وستين.
فأتى إياس بن مضارب عبد الله بن مطيع، فقال: إن المختار خارج عليك إحدى الليلتين، فأخرج الشرط، وأقامهم على الطريق في الجبابين، خارج البلد، فخرج إبراهيم بن الأشتر، وقال: والله لأمرن على دار عمرو بن حريث إلى جانب القصر وسط