المهلب ثمانية عشر فرسخا، فقام في الناس، فقال: إن الزيادة التي زادكم ابن الزبير في أعطياتكم زيادة فاسق منافق، ولست أجيزها، فقام إليه عبد الله بن الجارود العبدي، فقال: إنها ليست بزيادة فاسق منافق، ولكنها زيادة أمير المؤمنين عبد الملك قد أثبتها لنا، فكذبه وتوعده/ فخرج ابن الجارود على الحجاج وبايعه وجوه الناس، فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتل ابن الجارود وجماعة من أصحابه، وبعث برأسه ورءوس عشرة من أصحابه إلى المهلب، ونصبت برامهرمز للناس، وانصرف إلى البصرة، وكتب إلى المهلب وإلى عبد الرحمن بن مخنف: أما بعد، فإذا أتاكم كتابي هذا فناهضوا الخوارج، والسلام.
فلما وصل الكتاب [١] إليهما ناهضا الأزارقة يوم الاثنين لعشر بقين من شعبان- وقيل: يوم الأربعاء لعشر بقين من رمضان- فأجلوهم عن رامهرمز من غير قتال، فذهبوا إلى أرض يقال لها كازرون، فسارا وراءهم حتى نزلا بهم في أول رمضان، فخندق المهلب عليه وقال لعبد الرحمن: إن رأيت أن تخندق عليك فافعل، فأبى أصحاب عبد الرحمن، وقالوا: إنما خندقنا سيوفنا، فزحفت الخوارج إلى المهلب ليلا ليبيتوه، فوجدوه قد أخذ حذره، فمالوا: إلى عبد الرحمن فقاتلوه، فانهزم عنه أصحابه، فنزل فقاتل فقتل في جماعة من أصحابه.
وكتب المهلب بذلك إلى الحجاج، فبعث مكانه عتاب بن ورقاء، وأمره أن يسمع للمهلب ويطيع، فساءه ذلك ولم يجد بدا من طاعة الحجاج، فجاء حتى أقام في العسكر وقاتل الخوارج، وكان لا يكاد يستشير المهلب في شيء فأغرى به المهلب رجالا من أهل الكوفة منهم بسطام بن مصقلة.
وجرى بين المهلب وعتاب يوما كلام، فذهب المهلب ليرفع القضيب عليه، فوثب إليه ابنه المغيرة، فقبض على القضيب، وقال شيخ من شيوخ العرب: فاحتمله وقام عتاب فاستقبله بسطام يشتمه ويقع فيه، فكتب إلى الحجاج يشكو المهلب ويخبره أنه قد أغرى به سفهاء المصر، فبعث إليه أن أقدم.