كنت بايعها من أحد لآثرتك ولكني كنت مازحا وما أبيعها بملك الدنيا/ لحرمتها بي وموضعها من قلبي، فقال العراقي: إن كنت مازحا فإني كنت جادا، وما اطلعت على ما في نفسك، وقد ملكت الجارية وبعثت إليك بثمنها، وليست تحل لك، وما لي من أخذها بد، فمانعه أياما، فقال: ليست لي بينة ولكني استحلفك عند قبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ومنبره.
فلما رأى عبد الله الجد، قال: بئس الضيف أنت، ما طرقنا طارق ولا نزل بنا نازل أعظم بلية منك، أتحلفني فيقول الناس: اضطهد عبد الله ضيفه وقهره فألجأه إلى أن استحلفه، أما والله ليعلمن الله عز وجل أني سأبليه في هذا الأمر الصبر وحسن العزاء، ثم أمر قهرمانه بقبض المال منه وتجهيز الجارية. فجهزت بنحو من ثلاثة آلاف دينار، وقال: هذا لك ولك عوضا مما ألطفتنا، والله المستعان.
فقبض العراقي الجارية وخرج بها، فلما برز من المدينة قال لها: يا عمارة، إني والله ما ملكتك قط ولا أنت لي، ولا مثلي يشتري جارية بعشرة آلاف دينار، وما كنت لأقدم على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وأسلبه أحب الناس إليه لنفسي، ولكني دسيس من يزيد بن معاوية، وأنت له، وفي طلبك بعث بي، فاستتري مني، فإن داخلني الشيطان في أمرك أو تاقت نفسي إليك فامتنعي.
ثم مضى بها حتى ورد دمشق، فتلقاه الناس بجنازة يزيد وقد استخلف ابنه معاوية بن يزيد، فأقام أياما ثم تلطف للدخول إليه فشرح له القصة.
ويروى أنه لم يكن أحد من بني أمية يعدل بمعاوية بن يزيد في زمانه نبلا ونسكا، فلما أخبره قال: هي لك وكل ما دفعه إليك من أمرها فهو لك، فارحل من يومك فلا أسمع بخبرك في شيء من بلاد الشام.
فرحل العراقي ثم قال للجارية: إني قد قلت لك ما قلت حين خرجت بك من المدينة، فأخبرتك/ أنك ليزيد وقد صرت لي، وأنا أشهد الله أنك لعبد الله بن جعفر، وإني قد رددتك عليه فاستتري مني. ثم خرج بها حتى قدم المدينة، فنزل قريبا من عبد الله، فدخل عليه بعض خدمه فقال له: هذا العراقي ضيفك الذي صنع ما صنع، وقد نزل العرصة لا حياه الله. فقال عبد الله: مه، انزلوا الرجل وأكرموه، فلما استقر بعث