للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حج عبد الملك بن مروان وحج معه خالد بن يزيد بن معاوية، وكان من رجالات قريش المعدودين وعلمائهم. وكان عظيم القدر عند عبد الملك. فبينا هو يطوف بالبيت إذ بصر برملة بنت الزبير بن العوام فعشقها عشقا شديدا، ووقعت بقلبه وقوعا متمكنا.

فلما أراد عبد الملك القفول هم خالد بالتخلف عنه، فوقع بقلب عبد الملك تهمه، فبعث إليه يسأله عن أمره، فقال: يا أمير المؤمنين، رملة بنت الزبير رأيتها تطوف بالبيت قد أذهبت عقلي، والله ما أبديت لك ما بي حتى عيل صبري، فلقد عرضت النوم على عيني فلم تقبله، والسلو على قلبي فامتنع منه، فأطال عبد الملك التعجب من ذلك وقال: ما كنت أقول إن الهوى يستأسر مثلك، فقال: وإني لأشد تعجبا من تعجبك مني، ولقد كنت أقول إن الهوى لا يتمكن إلا من صنفين من الناس: الشعراء، والأعراب. فأما الشعراء فإنّهم ألزموا قلوبهم الفكر في النساء والغزل، فمال طمعهم إلى النساء، فضعفت قلوبهم عن دفع الهوى فاستسلموا له منقادين [١] . وأما الأعراب، فإن أحدهم يخلو بامرأته فلا يكون الغالب عليه غير حبه لها، ولا يشغله شيء عنه، فضعفوا عن دفع الهوى، فتمكن منهم. وجملة أمري ما رأيت نظرة حالت بيني وبين الحرم، وحسنت عندي ركوب الإثم مثل نظرتي هذه. فتبسم عبد الملك وقال: أو كل هذا قد بلغ بك، فقال: والله ما عرفتني هذه البلية قبل وقتي هذا، فوجه عبد الملك إلى آل الزبير يخطب رملة على خالد، فذكروا لها ذلك فقالت: لا والله، أو يطلق نساءه، فطلق امرأتين كانتا عنده، إحداهما من قريش والأخرى من الأزد [٢] ، وظعن بها إلى الشام. وفيها يقول:

/ أليس يزيد الشوق في كل ليلة ... وفي كل يوم من حبيبتنا قربا

خليلي ما من ساعة تذكر انها ... من الدهر إلا فرجت عني الكربا

أحب بني العوام طرا لحبها ... ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا

تجول خلاخيل النساء ولا أرى ... لرملة خلخالا يجول ولا قلبا

قال مؤلف الكتاب رحمة الله: وقد زاد بعض أعدائه في هذه الأبيات:

فإن تسلمي نسلم وإن تتنصري ... يخط رجال بين أعينهم صلبا


[١] «فضعفت قلوبهم ... منقادين» : ساقطة من ت.
[٢] في الأصل: «أحدهما قريشية والأخرى من الأزد» ، وما أوردناه من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>