يوما جارية صفراء، فما زال حتى أنس بها، فقال لها: هل تعرفين أم البنين؟ فقالت:
إنك تسأل عن مولاتي، فقال: إنها لابنة عمي، فإنها تسر بمكاني وموضعي لو أخبرتها، قالت: إني أخبرها فمضت الجارية فأخبرت أم البنين، فقالت ويلك، أحي هو؟ قالت: نعم، قالت: قولي له كن مكانك حتى يأتيك رسولي. فلن أدع الاحتيال لك، فاحتالت إلى أن أدخلته إليها في صندوق، فمكث عندها حينا فإذا أنت أخرجته، فقعد معها وإذا خافت عين رقيب أدخلته الصندوق.
فأهدي يوما للوليد بن عبد الملك جوهر، فقال لبعض خدمه: خذ هذا الجوهر فامض به إلى أم البنين وقل لها: أهدي هذا إلى أمير المؤمنين، فوجه به إليك.
فدخل/ الخادم من غير استئذان ووضاح معها، فلمحه ولم تشعر أم البنين، فبادر إلى الصندوق فدخله، فأدى الرسالة، إليها، وقال لها: هبي لي من هذا الجوهر حجرا، فقالت: لا أم لك، وما تصنع أنت بهذا؟ فخرج وهو عليها حنق فجاء الوليد فخبره الخبر ووصف له الصندوق الذي رآه دخله، فقال: كذبت، لا أم لك. ثم نهض الوليد مسرعا فدخل إليها وهي في ذلك البيت وفيه صناديق، فجاء حتى جلس على ذلك الصندوق الذي وصف له الخادم، فقال لها: يا أم البنين، هبي لي صندوقا من صناديقك هذه، فقالت:
يا أمير المؤمنين، هي لك وأنا لك فقال لها: ما أريد غير هذا الذي تحتي، فقالت: يا أمير المؤمنين، إن فيه شيئا من أمور النساء، قال: ما أريد غيره، قالت: هو لك. فأمر به فحمل ودعا بغلامين وأمرهما بحفر بئر، فحفرا حتى إذا بلغا الماء وضع فمه على الصندوق وقال: أيها الصندوق، قد بلغنا عنك شيء فإن كان حقا فقد دفنا خبرك ودرسنا أثرك، وإن كان كذبا فما علينا من دفن صندوق من حرج، ثم أمر به فألقي في الحفرة، وأمر بالخادم [١] فقذف في ذلك المكان فوقه، وطم عليهما المكان. فكانت أم البنين توجد في ذلك المكان تبكي إلى أن وجدت فيه يوما مكبوبة على وجهها ميتة.
وقد روى نحو هذه الحكاية هشام بن محمد بن السائب: أن أم البنين كانت عند يزيد بن عبد الملك، وإن قصة وضاح اليمن جرت له وهي عند يزيد.