للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى أَدْخَلاهُ عَلَى الْحَجَّاجِ، وَتَبِعَهُ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَمَعَهُ الْكَفَنُ وَالْحَنُوطُ، فَلَمَّا أَدْخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: يَا ابْنَ أُمِّ الْحَسَنِ، أَنْتَ الْقَائِلُ مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ اتَّخَذُوا عِبَادَ اللَّهِ خَوْلا وَمَالَ اللَّهِ دُوَلا وَكِتَابَ/ اللَّهِ دَغَلا، وَاسْتَحَلُّوا الْخَمْرَ بِالنَّبِيذِ، وَالنَّجَسَ بِالزَّكَاةِ، فَذكر الْكَلامَ إِلَى آخِرَهِ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَمَا الَّذِي جَرَّأَكَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا به ثَمَناً قَلِيلًا ٣: ١٨٧ [١] فَكَرِهْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أُولَئِكَ الْقَوْمِ، قَالَ: نِعْمَ الشَّيْخُ أَنْتَ، وَنِعْمَ الْمُؤَدِّبُ أَنْتَ، وَلَيْسَ مِثْلُكَ أَخَذَ بِكَلِمَةٍ اسْتَخْرَجَهَا، وَلَئِنْ بَلَغَنِي عَنْكَ ثَانِيًا لأُفَرِّقَنَّ بَيْنَ رَأْسِكَ وَجَسَدِكَ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: لَيْسَ ذَاكَ إِلَيْكَ، ثُمَّ قَالَ يَا جَارِيَةُ، هَاتِ الْغَالِيَةِ، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ فَقَالَ: أَفْرِغِيهِ عَلَى رَأْسِهِ، فَكَشَفَ الْحَسَنُ عَنْ شَعْرِهِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَرَأْسٌ مَا أَصَابَهُ الدُّهْنُ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا.

فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ لَهُ: ابْنُ سِيرِينَ وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، مَا قَالَ لَكَ الطَّاغِيَةُ؟ وَمَا رَدَدْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: قَالَ لِي كَذَا وَقُلْتُ لَهُ كَذَا، وَإِنَّكُمْ سَتُطْلَبُونَ. فَخَرَجَ ابْنُ سيرين إلى بلاد الهند، خرج ثَابِتٌ إِلَى كَابُلَ، وَأَقَامَ الْحَسَنُ حَتَّى صَلَّى الْجُمُعَةَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ، فَرَقِيَ الْحَجَّاجُ الْمِنْبَرَ فَأَطَالَ الْخُطْبَةَ حَتَّى دَخَلَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ، فَقَالَ الْحَسَنُ: أَمَا مِنْ رَجُلٍ يَقُولُ: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ تَلامِذَةِ الْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ أَتَأْمُرُنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَالَ: إنما أمرنا أن نُنْصِتُ لَهُمْ إِذَا أَخَذُوا فِي أَمْرِ دِينِنَا، فَإِذَا أَخَذُوا فِي أَمْرِ دُنْيَاهُمْ أَخَذْنَا فِي أَمْرِ دِينِنَا، قُومُوا الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ: بَعَثَ إِلَيْكُمْ أُخَيْفِشُ [٢] أُعَيْمِشُ مَلْعُونٌ مُعَذَّبٌ، قُومُوا الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، فَقَامَ الْحَسَنُ، وَقَامَ النَّاسُ لِقِيَامِ الْحَسَنِ، فَقَطَعَ الْحَجَّاجُ الْخُطْبَةَ وَنَزَلَ فصلى بِهِمْ، وَطَلَبَ الْحَجَّاجُ الْحَسَنَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ.

وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ ابن عائشة، عن أبيه، قال:


[١] سورة آل عمران، الآية: ١٨٧.
[٢] خنفس عن الأمر: عدل عن الأمر.
«بعث إليكم أخنفس» ساقط من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>