للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: وأنا والله أحبك، فقالت له: أنا والله أحب أن تضع فمك على فمي، قال: وأنا والله أحب ذلك، قالت: فما يمنعك فو الله إن الموضع لخال، فقال لها: ويحك إني سمعت الله تعالى يقول: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) ٤٣: ٦٧ [١] وأنا والله أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك في الدنيا عداوة يوم القيامة، ثم نهض وعيناه تذرفان من حبها، وعاد إلى الطريقة التي كان [٢] عليها من النسك والعبادة، فكان يمر بين الأيام ببابها فيرسل السلام، فيقال له: ادخل فيأبى.

ومما قال فيها:

إن سلامة التي أفقدتني تجلدي ... لو تراها والعود في حجرها حين تنشد

الشريحبي والغريض وللقوم معبد ... خلتهم تحت عودها حين تدعره باليد

وفي رواية أخرى أنه لما قال لها: أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك عداوة يوم القيامة، قالت: أتحسب أن ربنا لا يقبلنا إن نحن تبنا إليه؟ قال: بلى ولكن لا آمن أن أفاجأ، ثم نهض يبكي فلم يرجع بعد، وعاد إلى ما كان فيه من النسك.

وروى مصعب الزبيري، عن محمد بن عبد الله بن أبي مليكة، عن أبيه، عن جده، قال:

دخل عبد الرحمن بن أبي عمار وهو يومئذ فقيه أهل الحجاز على نخاس فعلق فتاة فاشتهر بذكرها حتى مشى إليه عطاء وطاووس ومجاهد يعذلونه، فكان جوابه:

يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أو وقعا [٣]

فانتهى الخبر إلى عبد الله بن جعفر، فلم تكن له همة غيره، فحج فبعث إلى مولى الجارية فاشتراها منه بأربعين ألفا، وأمر قيمة جواريه أن تزينها وتحليها، ففعلت، وبلغ الناس قدومه فدخلوا عليه، فقال: ما لي لا أرى ابن أبي عمار زارنا، فأخبر الشيخ فأتاه، فلما أراد أن ينهض استجلسه فقعد، فقال له ابن جعفر: ما فعل حب فلانة،


[١] سورة: الزخرف، الآية: ٦٧.
[٢] في الأصل: «الّذي كان» . وما أوردناه من ت.
[٣] في الأصل: «أطال النوم» . وما أوردناه من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>