للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحمل طنفسته [١] ، وقالت الأخرى: أنا أحمل رحله، وقالت الأخرى: أنا حشيته وأنساعه، فتقاسمن رحله بينهن، وبقيت عنيزة، فقال لها [امرؤ القيس] [٢] : يا ابنة الكرام، لا بد أن تحمليني معك فإني لا أطيق المشي وليس من عادتي، فحملته على غارب بعيرها، فكان يدخل رأسه في خدرها فيقبلها، فإذا امتنعت مال حدجها [٣] ، فتقول: يا امرأ القيس عقرت بعيري فانزل، فذلك قوله:

تقول وقد مال الغبيط بنا معا ... عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل

فلما فرغ الفرزدق من حديثه قالت إحداهن: اصرف وجهك عنا ساعة، وهمست إلى صويحباتها [٤] بشيء لم أفهمه، فانغططن في الماء وخرجن ومع كل واحدة منهن ملء كفها طينا، قال: فجعلن يتعادين نحوي ويضربن بذلك الطين والحمأة [٥] وجهي وثيابي وملأن عيني، فوقعت على وجهي مشغولا بعيني وما فيها، فأخذن ثيابهن وركبن، وركبت تلك الماجنة بغلتي وتركتني ملقى بأقبح حال، فغسلت وجهي وثيابي وانصرفت عند مجيء الظلام إلى منزلي ماشيا وقد وجهن بغلتي إلى بيتي وقلن للرسول: قل له تقول لك أخواتك: طلبت منا ما لم يمكنا، وقد وجهنا إليك بزوجتك فافعل بها سائر ليلتك، وهذا كسر درهم يكون لحمامك إذا أصبحت. فكان يقول: ما منيت بمثلهن.

قال علماء السير: لقي الفرزدق الحسن عند قبر، فقال له الحسن: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: أعددت له شهادة أن لا إله إلا الله منذ ثمانين سنة.

فتوفي الفرزدق في سنة إحدى عشرة ومائة، وقد قارب المائة. وكانت علته الدبيلة، فرآه ابنه لبطة في النوم، فقال له: يا بني نفعتني الكلمة التي راجعت بها الحسن عند القبر.

وقال أبو عبيدة: مات الفرزدق سنة عشر وقد نيف على التسعين، كان منها خمس وسبعون يباري الشعراء فبذهم، وما ثبت له غير جرير.


[١] الطنفسة: الوسادة الصغيرة التي تجعل تحت الرجل.
[٢] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من الأغاني.
[٣] الحدج: مركب من مراكب النساء كالهودج.
[٤] في الأصل: «إلى صوحاها» . كذا بدون نقط.
[٥] الحمأة: الطين الأسود.

<<  <  ج: ص:  >  >>