للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال المنصور يوما ونحن جلوس عنده: أتذكرون رؤيا كنت رأيتها ونحن بالشراة؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين ما نذكرها، فغضب من ذلك، وقال: كان ينبغي لكم أن تثبتوها في ألواح الذهب وتعلقوها في أعناق الصبيان، فقال عيسى بن علي: إن كنا قصرنا في ذلك فنستغفر الله يا أمير المؤمنين، فليحدثنا أمير المؤمنين بها، قال: نعم، رأيت كأني في المسجد الحرام، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة وبابها مفتوح والدرجة موضوعة، وما أفقد أحدا من الهاشميين ولا من القرشيين، إذا مناد ينادي:

أين عبد الله؟ فقام أخي أبو العباس فتخطى الناس حتى صار على الدرجة، فأخذ بيده فأدخل البيت، فما لبث أن خرج علينا ومعه قناة عليها لواء قدر أربعة أذرع وأرجح، فرجع حتى خرج من باب المسجد، ثم نودي: أين عبد الله؟ فقمت أنا وعبد الله بن علي نستبق حتى صرنا إلى الدرجة، فجلس فأخذ بيدي فأصعدت فأدخلت الكعبة، وإذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه أبو بكر وعمر وبلال. فعقد لي وأوصاني بأمته وعممني، وكان كورها ثلاثة وعشرين كورا، وقال: خذها إليك أبا الخلفاء إلى يوم القيامة.

أخبرنا ابن ناصر الحافظ، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قَالَ: أخبرنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عبد الرحيم المازني، قَالَ:

حدثنا أَبُو علي الحسين بْن القَاسِم الكوكبي، قَالَ: حدثنا أبو سهل [بن] [١] علي بن نوبخت قال: كان جدنا نوبخت على دين المجوسية، وكان في علم النجوم نهاية وكان محبوسا بسجن الأهواز، فقال [٢] :

رأيت أبا جعفر المنصور وقد أدخل السجن، فرأيت من هيبته وحالته وسيماه وحسن وجهه وثيابه ما لم أره لأحد قط. قال: فصرت من موضعي إليه فقلت: يا سيدي ليس وجهك من وجوه هذه البلاد، فقال: أجل يا مجوسي قلت: فمن أي البلاد أنت؟ فقال: من المدينة، فقلت: أي مدينة؟ فقال: مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت:

وحق الشمس والقمر إنك لمن ولد صاحب المدينة، قال: لا ولكنني من عرب المدينة. قال: فلم أزل أتقرب إليه وأخدمه حتى سألته عن كنيته، فقال: كنيتي أبو جعفر، قلت: أبشر فو حقّ المجوسية لتملكن جميع ما في هذه البلدة حتى تملك


[١] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[٢] الخبر في تاريخ بغداد ١٠/ ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>