للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دينار. ثُمَّ قَالَ: خذها يا أبا حازم. قَالَ: لا حاجة لي فِيهَا، إني أخاف أن يكون لما سمعت من كلامي.

وَكَانَ سليمان أعجب بأبي حازم فَقَالَ الزهري: إنه لجاري منذ ثلاثين سنة مَا كلمته قط. فَقَالَ أَبُو حازم: إنك نسيت اللَّه فنسيتني، ولو أحببت اللَّه لأحببتني. قَالَ الزهري: أتشتمني؟ قَالَ سليمان: بل أنت شتمت نفسك، أما علمت أن للجار على جاره حقا؟ فَقَالَ أَبُو حازم: إن بْني إسرائيل لما كانوا على الصواب كانت الأمراء تحتاج إِلَى العلماء، وكانت العلماء تفر بدينها من الأمراء، فلما رأى ذلك قوم من أذلة الناس تعلموا ذلك العلم وأتوا به إلى الأمراء، فاستغنت به عَنِ الزهاد، واجتمع القوم على المعصية [١] ، فسقطوا وانتكسوا، ولو كان علماؤنا يصونون علمهم لم تزل الأمراء تهابهم.

قَالَ الزهري: كأنك إياي تريد، وبي تعرض. قَالَ: هو مَا تسمع.

أَخْبَرَنَا ظفر بْن عَلِيّ بْن الْعَبَّاس المهراني قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسن فيد بن عبد الرحمن بن شادي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسن عَلِيّ بْن سعيد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو زرعة أَحْمَد بْن الحسين الرازي قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَبَّاس بْن عَبْد اللَّه المزني قَالَ: حَدَّثَنَا المبرد، عَنِ الرياشي، عَنِ الأصمعي قَالَ: دخل أَبُو حازم الطواف، فإذا هو بامرأة سافرة عَنْ وجهها تطوف، وقد فتنت النّاس بحسن وجهها فَقَالَ: يا هَذِهِ، ألا تخمرين وجهك؟

فقالت: يا أبا حازم، إنا من اللواتي يقول فيهن الشاعر:

١٦/ ب/

أماطت قناع الخز عَنْ حر وجهها ... وأبدت من الخدين بردا مهلهلا

من اللائي لم يحججن تبغين ريبة [٢] ... ولكن ليقتلن البريء المغفلا

وترمي بعينيها القلوب إذا بدت ... لها نظر لم يخط للحي مقتلا

فأقبل أَبُو حازم على أَهْل الطواف فَقَالَ: يا أَهْل بيت الله، تعالوا ندع الله أن لا يعذب هَذَا الوجه بالنار، فذكر ذلك لسعيد بْن المسيب، فَقَالَ: لو كَانَ من بعض أَهْل العراق لقال: يا عدوة الله، ولكن ظرف أهل الحجاز.


[١] في الأصل: «على العصبية» وما أثبتناه من ت.
[٢] في ت: «تبغين حسبه» وما أثبتناه من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>