للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبكى المنصور بكاء شديدا حَتَّى ارتفع صوته/، ثُمَّ قَالَ: يا ليتني لم أخلق ولم ٢٤/ أأك شيئا. ثُمَّ قَالَ: كيف احتيالي فيما خولت ولم أر من الناس إلا خائنا. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عَلَيْك بالأئمة الأعلام المرشدين. قَالَ: ومن هم؟ قَالَ: العلماء. قَالَ: قَدْ فرّوا مني. قال: هربوا منك مخافة أن تحملهم على ظهر مَا من طريقتك، ولكن افتح الأبواب، وسهل الحجاب، وانتصر للمظلوم، وامنع الظالم، وخذ الشيء مما حل وطاب واقسمه بالعدل، وأنا ضامن لك عَنْ من هرب منك أن يأتيك فيعاونك على صلاح أمرك ورعيتك.

فَقَالَ المنصور: اللَّهمّ وفقني أن أعمل بما قَالَ [١] هَذَا الرجل. وجاء المؤذنون فسلموا عليه، وأقيمت الصلاة، فخرج فصلى بهم ثُمّ قَالَ للحارس: عَلَيْك [٢] بالرجل، فلئن لم تأتني به لأضربْن عنقك. واغتاظ عليه غيظا عظيما، فخرج الحرسي يطلب الرجل، فبينا هو يطوف إذا هو بالرجل قائم يصلي، فقعد حَتَّى صلى، ثُمَّ قَالَ: يا ذا الرجل، أما تتقي اللَّه؟ قَالَ: بلى. قَالَ: مَا تعرفه؟ قَالَ: بلى. قَالَ: فانطلق معي فقد إِلَى أن يقتلني إن لم آته بك. قَالَ: ليس إِلَى ذلك سبيل. قَالَ: يقتلني. قَالَ: ولا يقتلك. قَالَ: كيف؟ قَالَ: تحسن تقرأ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فأخرج من مزود كَانَ معه رقاع فِيهِ شيء مكتوب، فَقَالَ: خذه فاجعله فِي جيبك، فإن فِيهِ دعاء الفرج. قَالَ: وما دعاء الفرج؟ قَالَ: لا يرزقه إلا السعداء. قَالَ: رحمك اللَّه فقد أحسنت إلي، فإن رأيت أن تخبرني مَا هَذَا الدعاء وما فضله؟ قَالَ: من دعا به صباحا ومساء هدمت ذنوبه، ودام سروره، ومحيت خطاياه، واستجيب دعاؤه، وبسط لَهُ فِي رزقه، وأعطي أمله، وأعين على عدوه، وكتب عند اللَّه صديقا، ولا يموت إلا شهيدا، تقول: اللَّهمّ كما لطفت فِي بعظمتك دون اللطفاء، وعلوت بعظمتك على العظماء، وعلمت مَا تحت أرضك كعلمك بما فوق عرشك، وكانت/ وساوس الصدور كالعلانية عندك، وعلانية القول ٢٤/ ب كالسر فِي علمك، فانقاد كل شيء لعظمتك، وخضع كل ذي سلطان لسلطانك، وصار أمر الدنيا والآخرة كله بيدك، اجعل لي من كل هم أمسيت فِيهِ فرجا ومخرجا. اللَّهمّ إن عفوك عَنْ ذنوبي، وتجاوزك عَنْ خطيئتي، وسترك على قبيح عملي، أطمعني أن أسألك ما لا أستوجبه منك، فصرت أدعوك آمنا، وأسألك مستأنسا، وإنك المحسن إليّ وإني


[١] في الأصل: «أن أعمل بها قال» وما أثبتناه من ت.
[٢] في ت: «عليكم» وما أثبتناه من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>