للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدنيه حَتَّى أتكأه على فخذه، وتحفى به، ثُمَّ سأله عَنْ نفسه وعن عياله يسميهم رجلا رجلا وامرأة امرأة، ثُمَّ قَالَ: يا أبا عثمان، عظني. فَقَالَ: أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ، هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ، أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ، إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ ٨٩: ٠- ١٣ [١] إن ربك يا أبا جعفر لبالمرصاد. قَالَ: فبكى بكاء شديدا كأنه لم يسمع تلك الآيات إلا فِي تلك الساعة، وَقَالَ: زدني. فقال: إن الله قَدْ أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك منه ببعضها، واعلم، أن هَذَا الأمر الَّذِي صار إليك إنما كَانَ فِي يد من قبلك، ثُمَّ أفضى إليك، وكذلك يخرج منك إِلَى من هو بعدك، وإني أحذرك ليلة تمخض صبيحتها عَنْ يوم القيامة. قَالَ: فبكى والله أشد من بكائه الأول حَتَّى جف جفناه. فَقَالَ له سليمان بن خالد: رفقا بأمير ٢٩/ أالمؤمنين، قَدْ أتعبته اليوم فَقَالَ لَهُ عَمْرو: بمثلك ضاع/ الأمر وانتشر، لا أبا لك، وماذا خفت على أمير المؤمنين أن بكى من خشية اللَّه؟ عز وجل؟ فَقَالَ لَهُ أمير المؤمنين: يا أبا عثمان، أعني بأصحابك أستعن بهم. قال: أظهر الحق يتبعك أهله. قَالَ: بلغني أن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن حسن كتب إليك كتابا. قَالَ: قد جاءني كتاب يشبه أن يكون كتابه. قَالَ:

فيم أجبته؟ قَالَ: أو ليس قَدْ عرفت رأيي فِي السيف أيام كنت تختلف إلينا، إني لا أراه، قَالَ: أجل، ولكن تحلف لي ليطمئن قلبي. قَالَ: لئن كذبتك تقية لأحلفن لك بقية.

قَالَ: أنت والله الصادق البر.

ثم قَالَ: قَدْ أمرت لك بعشرة آلاف درهم تستعين بها على سفرك وزمانك.

قَالَ: لا حاجة لي فِيهَا. قَالَ: والله لتأخذنها. قَالَ: والله لا آخذها. فَقَالَ لَهُ المهدي:

يحلف أمير المؤمنين وتحلف؟! فترك المهدي وأقبل على المنصور وَقَالَ: من هَذَا الفتى؟ قَالَ: هَذَا ابْني مُحَمَّد، هو المهدي وولي العهد. قَالَ: والله لقد أسميته اسما مَا استحقه عمله، وألبسته لباسا مَا هو من لبس الأبرار، ولقد مهدت لَهُ أمرا أمتع مَا يكون به، أشغل مَا يكون عنه. ثُمَّ التفت إِلَى المهدي وَقَالَ لَهُ: يا ابْن أخي، إذا حلف أبوك حلف عمك، لأن أباك أقدر على الكفارة من عمك. ثم قَالَ: يا أبا عثمان، هل من حاجة؟ قَالَ: نعم. قَالَ: وما هي؟ قَالَ: لا تبعث إليّ حتى آتيك. قال: إذا لا تأتيني.


[١] سورة: الفجر، الآية: ١- ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>