للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المهدي ودفع الفرس إِلَيْهِ فأقبل الأعرابي عَلَى السرج يقتلع حليته، ففطن المهدي وقد أخذ حاجته فقدم إِلَيْهِ فرسه، وجاءت الخيل نحوه فأحاطت به ونذر بها الأعرابي فولى هاربا فأمر برده وخاف أن يكون فطن [١] به، فَقَالَ: خذوا مَا أخذنا منكم ودعونا نذهب إِلَى حرق اللَّه وناره، فَقَالَ المهدي: لا بأس عَلَيْك، فَقَالَ: مَا تشاء جعلني اللَّه فداء فرسك، فضحك من حضره وقالوا: ويلك هل رأيت إنسانا قَدْ قَالَ هَذَا؟

قَالَ: فما أقول؟ قالوا: قل جعلني اللَّه فداك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: أو هَذَا أمير المؤمنين؟ قالوا: نعم، قَالَ: والله لئن أرضاه هَذَا مني فَمَا يرضيني ذاك فِيهِ، ولكن جعل [اللَّه] جبريل وميكائيل فداءه، وجعلني فداءهما. فضحك المهدي واستطابه وأمر لَهُ بعشرة آلاف درهم.

قَالَ ابْن [٢] عرفة: وبلغني أن المهدي لما فرغ من بناء عيساباذ [٣] ركب في جماعة يسيرة لينظر فدخله مفاجأة وأخرج من كَانَ هُنَاكَ من الناس، وبقي رجلان خفيا عَنْ أبصار/ الأعوان، فرأى المهدي أحدهما وَهُوَ دهش مَا يعقل، فقال: من أنت؟ فقال: ٩٧/ أأنا أنا أنا، قَالَ: ويحك من أنت؟ قَالَ: لا أدري، قَالَ: ألك حاجة؟ قَالَ: لا لا، قَالَ:

أخرجوه أخرج اللَّه نفسه، فدفع فِي قفاه. فلما خرج قَالَ لغلام لَهُ: اتبعه من حيث لا يعلم فسل عَنْ أمره [ومهنته] [٤] فإنّي إخاله حائكا، فخرج الغلام يقفوه. ثُمَّ رأى الآخر فاستنطقه فأجابه بقلب جريء ولسان بسيط، قَالَ: فما جاء بك إلى ها هنا؟ قَالَ: جئت لأنظر إِلَى هَذَا البْناء الْحَسَن فأتمتع بالنظر إِلَيْهِ وأكثر الدعاء لأمير المؤمنين بطول المدة وتمام النعمة ونماء العز والسلامة، قال: أفلك حاجة؟ قال: نعم، خطبت ابْنة عمي فردني [أبوها] وَقَالَ: لا مال لك والناس يرغبون فِي الأموال، وأنا بها مشغوف ولها وامق. قَالَ: قَدْ أمرت لك بخمسين ألف درهم، قَالَ: جعلني اللَّه فداك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ وصلت فأجزلت الصلة، ومننت فأعظمت المنة فجعل اللَّه باقي عمرك أكثر من ماضيه، وآخر أيامك خيرا من أولها، وأمتعك بما أنعم به عَلَيْك وأمتع رعيتك بك: فأمر


[١] كذا في الأصل، وفي ت، وتاريخ بغداد: «أن يكون غمز به» .
[٢] تاريخ بغداد ٥/ ٣٩٨.
[٣] عيساباذ: محلة كانت شرق بغداد منسوبة إلى عيسى بن المهدي، وباذ معناه: العمارة.
[٤] ما بين المعقوفتين: من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>