للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتعبك الحزن فإنك لَمْ تكوني جاهلة بأني من الَّذِينَ يموتون. يا أمتاه إني كتبت كتابي هَذَا وأنا أرجو أَن تعتبري بِهِ ويحسن موقعه منك، فلا تخلفي ظني ولا تحزني روحي، يا أمتاه إني قَدْ علمت يقينا أَن الَّذِي أذهب إِلَيْهِ خير من مكاني الّذي أنا فيه، وأطهر من الهموم والأحزان والأسقام والنصب والأمراض فاغتبطي لي بمذهبي، واستعدي لاتباعي، يا أمتاه إِن ذكري قَدِ انقطع من الدنيا وَمَا كنت أذكر بِهِ من الْمَلِك والرأي، فاجعلي لي من بعدي ذكرا أذكر بِهِ فِي حلمك وصبرك والرضا [بِمَا يَقُول الحكماء، يا أمتاه إِن النَّاس سينظرون إِلَى هَذَا منك وَهُمْ راض وكاره ومستمع وقائل، فأحسني إلي وإلى نفسك فِي ذَلِكَ، يا أمتاه السَّلام فِي هَذَا الدار قليل زائل فليكن عليك] [١] وَعَلَيْنَا فِي دار الأزل السَّلام الدائم. فتفكري بفهم وديعة نفسك أَن تكوني شبه النِّسَاء فِي الجزع كَمَا كنت لا أرضى شبه الرجال فِي الاستكانة والضعف، وَلَمْ يكن ذَلِكَ يرضيك فِي.

ثُمَّ مَات رحمه اللَّه.

وَفِي رواية أَنَّهُ كَانَ فِي كتابه إِلَيْهَا: [يا أماه] [٢] اصنعي طعاما واجمعي من قدرت عَلَيْهِ من نساء أَهْل المملكة، ولا يأكل طعامك من أصيب بمصيبة. فصنعت طعاما وجمعت النَّاس وَقَالَتْ: لا يأكل من أصيب بمصيبة قط، فلم يأكل أحد، فعلمت مَا أراد [٣] .

فلما حمل تابوته إِلَيْهَا تلفتت بعظماء أَهْل المملكة، فلما رأته قَالَتْ: يا ذا الَّذِي بلغ السماء حلمه وجاز أقطار الأَرْض ملكه، ودانت الملوك عنوة لَهُ، مَالِك/ اليوم نائما لا تستيقظ، وساكتا لا تتكلم، من بلغك عني بأنك وعظتني فاتعظت، وعزيتني فتعزيت، فعليك السَّلاَم حيا وميتا. ثُمَّ أمرت بدفنه [٤] .

واختلف فِي قدر عمره، فذكر عَنْ أَهْل الكتاب أَنَّهُ عاش ثلاثة آلاف سنة. وذكر أبو بكر بن أبي خيثمة أنه عاش ألفا وستمائة سنة.


[١] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناه من المرآة.
[٢] ما بين المعقوفتين: من المرآة.
[٣] مرآة الزمان ١/ ٣٣٦، ومختار الحكم ٢٤٢.
[٤] مرآة الزمان ١/ ٣٣٦، ومختار الحكم ٢٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>