للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يريد المنصور عرضوا لَهُ بها ومتوا إِلَيْهِ بقراباتهم، وتوسلوا [بأرحامهم] [١] . وسألوه إيصال رقاعهم إِلَيْهِ فاعتذر إليهم وسألهم أن يعفوه من ذلك فأبوا وألحوا عليه، فَقَالَ: لست أكلم المنصور فِي حاجة لأحد، فإن أحببتم أن تودعوا رقاعكم كمي فافعلوا فقدموا رقاعهم فِي كمه، ومضى حَتَّى دخل عَلَى المنصور وَهُوَ فِي القبة الخضراء مشرف عَلَى مدينة السلام ودجلة والصراة وما حولها من البساتين والمزارع فعاتبه، فنفح عن نفسه، ثم حادثة ساعة، فقال له المنصور: أما ترى حسن مستشرفنا هَذَا؟ قَالَ: أرى يا أمير المؤمنين ١١٨/ ب فبارك اللَّه لك فيما أتاك وهنأك بإتمام النعمة عَلَيْك فيما أعطاك، فما/ بْنت العرب في دولة الإسلام والعجم في مدة الكفر مدينة أحصن ولا أحسن ولا أجمع للخصال المحمودة منها، وقد سمجتها [٢] فِي عيني يا أمير المؤمنين خصلة، قال: [و] ما هي؟

قَالَ: ليس [لي] [٣] فِيهَا ضيعة. فتبسم، ثم قال: فإنّي أحسنها فِي عينك بثلاث ضياع أقطعك فِي أكنافها فاغد عَلَى أمير المؤمنين يسجل لك بها، فَقَالَ: أنت والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سهل الموارد، كريم المصالح، فجعل اللَّه باقي عمرك أكثر من ماضيه، فلقد بررت فأفضلت [٤] ، ووصلت فأجزلت، وأنعمت فأسبغت فبدت الرقاع من كمه وَهُوَ يتشكر لَهُ، فأقبل يردهن فِي كمه ويقول: لترجعن خاسئات، فضحك- يعني الخليفة- وَقَالَ: بحق أمير المؤمنين عَلَيْك لما أخبرت [٥] خبر هَذِهِ الرقاع، فأعلمه. فَقَالَ: أبيت يا ابْن معلم الخير إلا كرما، فف للقوم بضمانك وألقها عَنْ كمك لننظر فِي حوائجهم، فطرحها بين يديه فتصفحها ثم دفعها إِلَى الربيع، ثُمَّ التفت إِلَيْهِ، فتمثل بقول امرئ القيس:

لسنا وإن أحسابْنا كرمت ... يوما عَلَى الأحساب نتكل

نبْني كما كانت أوائلنا ... تبْني ونفعل مثل مَا فعلوا

وَقَالَ: قَدْ قضى أمير المؤمنين حوائجهم، فأمرهم بلقاء الربيع، قال محمد:

فخرجت من عنده وقد ربحت وأربحت [٦] .


[١] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[٢] في الأصل: «وقد تم» .
[٣] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[٤] في ت: «فقد بررت فأمنت» .
[٥] في ت: «ألا أخبرته» .
[٦] انظر: تاريخ بغداد ٢/ ١١١- ١١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>