للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ روي أَن زليخا صارت فِي ملك يُوسُف لأنها اشترت منه بجميع ملكها، ثُمَّ بنفسها فأخرجها يُوسُف من مدينته فابتنت لنفسها مسكنا عَلَى قارعة طريق يُوسُف، فغيرتها السنون ونسيها يُوسُف واشتغل بملكه عَلَيْهِ السَّلام، وكبرت وعميت وانحنى صلبها. وَكَانَ يُوسُف يركب فِي كل شهر ركبة في ثمانمائة ألف، وَفِي ألف لواء وألفي سَيْف يدور فِي عمله وينتصب لأهل مملكته، وينصف للمظلوم من الظَّالِم. وكانت زليخا تلبس جبة صوف وتشد حقويها بحبل من ليف وتقف عَلَى قارعة الطريق فَإِذَا حاذاها يُوسُف نادته فلا يسمع نداءها، ففعلت ذَلِكَ مرارا، فركب يوما فنادته: أيها الْعَزِيز سبحان من جعل العبيد بالطاعة ملوكا. وجعل الملوك بالمعصية عبيدا، فسمعها فبكى والتفت إِلَى فتاه، فَقَالَ: انطلق بهذا العجوز معك إِلَى دار الْمَلِك، واقض لَهَا كُل حاجة، فَقَالَ لَهَا الغلام: مَا حاجتك يا عجوز؟ فَقَالَتْ لَهُ: إِن حاجتي محرمة أن يقضيها غَيْر يُوسُف، فأقبل يُوسُف من موكبه فدعا بها، وَقَالَ: من أَنْتَ يا عجوز؟ قَالَتْ: أنا معتقتك ومذللتك، أنا زليخا، فبكى وَقَالَ: مَا فعل حسبك وجمالك، قَالَتْ: ذهب بِهِ الَّذِي ذهب بذلتك ومسكنتك وأعطاك هَذَا الْمَلِك، فَقَالَ: يا زليخا إِن لَكَ عندي قضاء ثلاث حوائج فسلي، فو حقّ شيبة إِبْرَاهِيم لأقضينها، فَقَالَتْ: حاجتي الأولى أَن تدعو اللَّه أَن يرد عَلِي بصري وشبابي، فدعا اللَّه لَهَا فرد بصرها وشبابها، فلما نظر إِلَى حسنها وجمالها لَمْ يتمالك أَن ضحك، ثُمّ قَالَتْ: ادع اللَّه أَن يرد عَلِي حسني كَمَا كَانَ، فدعا اللَّه فرد حسنها وجمالها وزادها كرامة ليوسف، فصارت كأنها بنت ثماني عشرة سَنَة، وَكَانَ لَهَا يَوْمَئِذٍ مائة وعشرون سَنَة، فَقَالَتْ: حاجتي الثالثة ... قَالَ مَا هِيَ؟ قَالَتْ:

ليست حاجتي إليك، قَالَ: فَمَا حاجتك؟ قَالَتْ: أَن تتزوج بي، فأوحى اللَّه إِلَيْهِ أَن تزوج بها وزينها بكل زينة، ثُمَّ دَخَلَ بها فأصابها بكرا، وأولدها اثني عشر ولدا.

ذكر هذه القصة أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي من حَدِيث وهب بْن منبه، وغيره.

قَالَ الْعُلَمَاء: وبلغ الجدب أرض كنعان وهلكت ماشية يعقوب ودوابه وجاع هو وأولاده، فقال لهم: انطلقوا فاشتروا لنا من عزيز مصر طعاما. وكان يوسف قد أقعد صاحب جوازه عَلَى الطريق، وأمره أَن لا يترك أحدا من أَهْل الشام يدخل مصر إلا سأله عَنْ حاله وقصته، فلما قدم ولد يعقوب سألهم من أين هم؟ فقالوا: نحن كنعانيون من بني يعقوب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلاَم، وكتب إِلَى يُوسُف بِذَلِكَ، وأنهم يريدُونَ اشتراء طعام، فورد

<<  <  ج: ص:  >  >>