للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبسوطة، والخراج يأتيه، فينبغي ألا يستأثر عَنْ جنده ورعيته بِمَا هُمْ أهله، وأن يكثر العفو، فَإِنَّهُ لا ملك أبقى من ملك فِيهِ العفو، ولا أهلك من ملك فِيهِ العقوبة، ولأن يخطئ في العفو فيعفو، خير من أَن يخطئ فِي العقوبة.

فينبغي للملك أَن يتثبت فِي الأمر الَّذِي فِيهِ قتل النفس [وبواها] [١] ، وإذا رفع إِلَيْهِ من عامل من عماله مَا يستوجب بِهِ العقوبة فلا ينبغي لَهُ أَن يحابيه، وليجمع بينه وبين المتظلم، فإن صح عليه للمظلوم حق خرج إليه منه، وإن عجز عنه آدمي أدى عنه الملك [ورده إلى موضعه] [٢] ، وأخذه بإصلاح ما أفسد، فهذا لكم علينا.

ألا من سفك دما بغير حق أو قطع يدا بغير حق، فإني لا أعفو عَنْ ذَلِكَ إلا أَن يعفو عَنْهُ صاحبه، فخذوا هَذَا عني.

وإن الترك قَدْ طمعت فيكم فاكفوها بِمَا تكفون أنفسكم بِهِ، وَقَدْ أمرت لكم بالسلاح والعدة وَأَنَا شريككم فِي الرأي، وإنما لي من هَذَا الْمَلِك اسمه مَعَ الطاعة منكم.

ألا وإن الْمَلِك ملك إِذَا أطيع، فَإِذَا خولف فذلك مملوك لَيْسَ بملك. فمهما بلغنا من الخلاف فإنا لا نقبله من المبلغ لَهُ حَتَّى نتيقنه منه، فَإِذَا صحت معرفة ذَلِكَ أنزلناه منزل المخالف.

ألا وإن أكمل الأداة عِنْدَ المصيبات الأخذ بالصبر والراحة إِلَى اليقين، فمن قتل فِي مجاهدة العدو رجوت لَهُ الفوز برضوان اللَّه.

وأفضل الأمور التسليم لأمر اللَّه والراحة إِلَى اليقين والرضا بقضائه، أين المهرب مِمَّا هُوَ كائن! وإنما يتقلب فِي كف الطالب، وإنما أَهْل هذه الدنيا سفر لا يحلون عقد الرحال إلا فِي غيرها، وإنما بلغتهم فِيهَا بالعواري، فَمَا أَحْسَن الشكر للمنعم والتسليم لمن الْقَضَاء لَهُ! ومن أحق بالتسليم لمن فوقه مِمَّن لا يجد مهربا إلا إِلَيْهِ، ولا معوّلا إلا عليه!


[١] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[٢] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>