للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِكَ مَنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَكُونَ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْكَ وَانْقِطَاعَ الرَّجَاءِ [١] .

فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ طَوَى الْبِلادَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العزيز فقال: ما أقدمك؟

قال: خلعت قلبي بِكِتَابِكَ، لا أَعُودُ إِلَى وِلايَةٍ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: زِدْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ.

فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الْعَبَّاسَ عَمَّ الْمُصْطَفَى صلّى الله عليه وسلّم جاء إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِّرْنِي عَلَى إِمَارَةٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الإِمَارَةَ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنِ استطعت أن لا تَكُونَ أَمِيرًا فَافْعَلْ» . قَالَ: فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيدًا، وَقَالَ لَهُ: زِدْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ/.

قَالَ: يَا حَسَنَ الْوَجْهِ أَنْتَ الَّذِي يَسْأَلُكَ اللَّهُ عَنْ هَذَا الْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقِيَ هَذَا الْوَجْهَ مِنَ النَّارِ فَإِيَّاكَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ وَفِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَصْبَحَ غَاشًّا لِرَعِيَّتِهِ لَمْ يَرِحْ [٢] رَائِحَةَ الْجَنَّة» . فبكى هارون وقال لَهُ: عليك دين؟ قَالَ: نعم، دين لربي لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن سألني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم ألهم حجتي. قَالَ: أعني من دين العباد. قَالَ: إن ربي لم يأمرني بهذا، أمرني أن أوحده وأطيع أمره، فقال عز وجل: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ٥١: ٥٦- ٥٨ [٣] .

فقال لَهُ: هذه ألف دينار خذها أنفقها على عيالك، وتقو بها على عبادتك. فَقَالَ:

سبحان الله، أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني [٤] بمثل هذا؟ سلمك الله ووفقك. ثم صمت، فلم يكلمنا، فخرجنا من عنده، فلما صرنا على الباب قَالَ: أبا الْعَبَّاس، إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا، هذا سيد المسلمين.


[١] في الأصل: «الرحا» .
[٢] في الأصل: «من أصبح لهم غاشا لم يرح ... » .
[٣] سورة: الذاريات، الآية: ٥٧.
[٤] في الأصل: «تكافني» .

<<  <  ج: ص:  >  >>