للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَالَ: استودعكما الله. وجعل يمسح دموعه، ولبس ثياب الخلافة، وركب يريد هرثمة، وبين يديه شمعة. فلما انتهى إلى دار الحرس قال لخادمه: اسقني من جباب الحرس.

فناوله كوزا، فعافه لزهوكته [١] ، فلم يشرب منه، فلما أن سار في الحراقة [٢] خرج طاهر وأصحابه فرموا الحراقة بالسهام والحجارة فانكبت الحراقة، فغرق محمد ومن كان فيها، فشق محمد ثيابه وسبح حتى عبر، فصار إلى بستان موسى، فعرفه محمد بن حميد الطاهري، فصاح بأصحابه، فنزلوا فأخذوه، فبادر محمد الماء، فأخذوا بساقيه، ثم حمل على برذون وألقي عليه إزار من أزر [٣] الجند غير مفتول، وحمل إلى منزل إبراهيم بن جعفر البلخي، وكان بباب الكوفة، وأردف رجل خلفه ليلا يسفط كما يفعل بالأسير [٤] .

وقيل إنه عرض على الذين أخذوه مائة حبة، كل حبة قيمتها مائة ألف، فأبوا أن يتركوه، وجاء الخبر بذلك إلى طاهر بن الحسين، فدعا مولى له يقال لَهُ: قريش الدنداني، فأمره بقتل محمد، فلما انتصف الليل فتح الدار قوم من العجم، بأيديهم السيوف مسللة، فلما رآهم قام قائما/ وقال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ٢: ١٥٦ [٥] ذهبت والله نفسي في سبيل الله، أما من حيلة، أما من مغيث!؟ [٦] فلما وصلوا إليه أحجموا عن الإقدام، وجعل بعضهم يقول لبعض: تقدم. فأخذ محمد بيده وسادة وجعل يَقُولُ: ويحكم، إني ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن هارون، وأخو المأمون، الله الله في دمي. فدخل عليه رجل يقال له: حميرويه [٧]- غلام لقريش الدنداني- فضربه بالسيف ضربة وقعت على مقدم رأسه، وضرب وجهه بالوسادة التي كانت في يده، ودخل جماعة، فنخسه واحد منهم بالسيف في خاصرته، وركبوه فذبحوه ذبحا من قفاه، وأخذوا راسه، فمضوا به إلى طاهر، وتركوا جثته، فنصب طاهر الرأس


[١] في الأصل: «لشهوكته» . والزهوكة: الرائحة الكريهة.
[٢] الحراقة: نوع من السفن بها مرامي للنيران.
[٣] في الأصل: «إزار» .
[٤] انظر: تاريخ الطبري ٨/ ٤٧٨- ٤٨٣.
[٥] سورة: البقرة، الآية: ١٥٦.
[٦] انظر: تاريخ الطبري ٨/ ٤٨٦- ٤٨٧.
[٧] في الطبري: «خمارويه» .

<<  <  ج: ص:  >  >>