يحيى بن أكثم يَقُولُ: ما رأيت أكمل آلة من المأمون. وجعل يحدث بأشياء استحسنها من كَانَ في مجلسه. ثم قال: كنت عنده ليلة أذاكره وأحدثه، / ثم نام وانتبه وقال: يا يحيى، انظر أيش عند رجلي. فنظرت فلم أر شيئا. فَقَالَ: شمعة، فتبادر الفراشون.
فَقَالَ، انظروا، فنظروا، فإذا تحت فراشه حية بطوله، فقتلوها، فقلت: قد انضاف إلى كمال أمير المؤمنين علم الغيب. فقال: معاذ الله، ولكن هتف بي هاتف الساعة وأنا نائم:
يا راقد الليل انتبه ... إن الخطوب لها سرى
ثقة الفتى بزمانه ... ثقة محللة العرى
فانتبهت، فعلمت أن قد حدث أمر إما قريب، وإما بعيد. فتأملت ما قرب فكان ما رأيت [١] .
أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ قَالَ: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد الفقيه قَالَ:
أخبرنا ابن دودان قَالَ: أخبرنا المرزباني قَالَ: أخبرنا ابن دريد، عن أبي العيناء قال:
قصد أعرابي المأمون فوقف على بابه سنة لا يصل إِلَيْهِ، فصاح الأعرابي يوما: نصيحة، نصيحة. قَالَ: فأدخل على المأمون فقال لَهُ: يا أعرابي، ما نصيحتك؟ قَالَ: يا أمير المؤمنين، رأيت البارحة رؤيا، وقد أحببت أن تفسرها لي. فتبسم المأمون وقَالَ: ما الرؤيا؟ فأنشأ يَقُولُ:
إني رأيتك في منامي سيّدي ... يا ابن الإمام على الجواد السابق
وكسوتني حللا طرائف حسنها ... يزهو لدي مع الكميت الفائق
فقال المأمون: ادفعوا إلى الأعرابي خلعة وفرسا/ كميتا بسرجه ولجامه. فلما دفع إِلَيْهِ قَالَ: يا أمير المؤمنين:
وأجزتني بخريطة مملوءة ... ذهبا وأخرى باللجين الفائق
فقال المأمون: يدفع إليه ألف دينار، وألف درهم، فقبض ذلك وأنشأ يَقُولُ:
[١] انظر: تاريخ بغداد ١٠/ ١٨٨.