للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واقفا على رأس المأمون يوما وقد قعد للمظالم، فأطال الجلوس حتى زالت الشمس، وإذا امرأة قد أقبلت تعثر في ذيلها حتى وقفت على طرف البساط، فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فنظر المأمون إلى يحيى بن أكثم، فأقبل يحيى عليها فَقَالَ: تكلمي. فقالت: يا أمير المؤمنين، قد حيل بيني وبين ضيعتي، وليس لي ناصر إلا الله. فَقَالَ لها يحيى بن أكثم: إن الوقت قد فات، ولكن عودي يوم الخميس. قال: فرجعت، فلما كان يوم الخميس قال المأمون: أول من يدعى المرأة المظلومة. فدعا بها. فَقَالَ: أين خصمك؟ قالت: واقف على رأسك يا أمير المؤمنين، قد حيل بيني وبينه. وأومأت إلى العباس ابنه. فَقَالَ لأحمد بن أبي خَالِد: خذ بيده وأقعده معها. ففعل، فتناظرا ساعة/ حتى علا صوتهما عليه [١] فقال لها أحمد بن أبي خَالِد: إنك تناظرين الأمير أعزه الله بحضرة أمير المؤمنين أطال اللَّه بقاءه، فأخفضي عليك. فقال له المأمون: دعها يا أحمد، فإن الحق أنطقها، والباطل أخرسه. فلم تزل تناظره حتى حكم لها المأمون عليه، وأمر برد ضيعتها، وأمر ابن أبي خالد أن يدفع لها عشرة آلاف درهم.

وروى الصولي: أنه رفع إلى المأمون أن خادمه رشد الأسود يسرق طساسه وأبا ريقه، وكان عَلَى وضوئه، فعاتبه في ذلك فَقَالَ: رزقي يقصر عني، فأضعفه لَهُ. ثم فقد بعد ذلك طستا وإبريقا، فقال: بعني ويحك الشيء إذا أخذته. قَالَ: فاشتر مني هذا الطست وهذا الإبريق. قَالَ: بكم؟ قَالَ: بخمسة دنانير. فَقَالَ: ادفعوا له خمسة دنانير.

فقال لَهُ رشد: بقي والله هذان ما بقى الزمان، فقال لَهُ المأمون: قد رأيت المعاملة، فكل من تعلم أنه يسرق مني شيئا فقل له يبيعنيه.

وقال المأمون: أنا والله أستلذ العفو حتى أخاف أن لا أؤجر عليه، ولو علم النَّاسَ مقدار محبتي للعفو لتقربوا إلي بالذنوب.

وقال المأمون: أنا والله أستلذ العفو حتى أخاف أن لا أؤجر عليه، ولو علم النَّاسَ مقدار محبتي للعفو لتقربوا إلي بالذنوب.

وفي هذه السنة: كتب المأمون إلى هرثمة يأمره بالشخوص إلى خراسان [٢] .


[١] «ففعل، فتناظرا ساعة حتى علا صوتهما عليه» . ساقطة من ت.
[٢] انظر: تاريخ الطبري ٨/ ٥٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>