للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: فَإِذَا لَمْ تصدقوني فأخروني ثلاثة أَيَّام. فدعا اللَّه فأتى كُل رجل مِمَّن كَانَ يحرسه فِي المنام، فأخبر أَن يوشع لَمْ يقتل موسى، وأنا قَدْ رفعناه إلينا، فتركوه ولم يبق ممن أبى أن يدخل قرية الجبارين مَعَ موسى أحد إلا مَات وَلَمْ يشهد الفتح.

وزعم ابْن إِسْحَاق: أَن موسى كَانَ قَدْ كره الْمَوْت وأعظمه، فأراد اللَّه أَن يحبب إِلَيْهِ الْمَوْت ويكره إِلَيْهِ الحياة، فنبي يوشع وَكَانَ يغدو عَلَيْهِ ويروح فَيَقُول لَهُ موسى: يا نبي اللَّه مَا أحدث اللَّه إليك؟ فَيَقُول لَهُ يوشع: يا نبي اللَّه ألم أصحبك كَذَا وكذا سَنَة، فهل كنت أسألك عن شَيْء مِمَّا أحدث اللَّه إليك حَتَّى تكون أَنْتَ الَّذِي تبتدئ بِهِ وتذكره؟ فلا يذكر لَهُ شَيْئًا.

فلما رأى ذَلِكَ موسى كره الحياة وأحب الْمَوْت.

وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّد بْن كعب القرظي: كَانَ تحويل النبوة إِلَى يوشع بْن نون قبل موت موسى، وَكَانَ يختلف يوشع إِلَى موسى غدوة وعشية، فَيَقُول لَهُ موسى: يا نبي اللَّه هل أحدث اللَّه إليك اليوم شَيْئًا؟ فَيَقُول لَهُ يوشع: يا صفي اللَّه صحبتك من كَذَا وكذا سَنَة، فهل سألتك عَنْ شَيْء يحدثه اللَّه إليك حَتَّى تكون أَنْتَ الَّذِي تبتدئه لي؟ فلما رأى موسى الْجَمَاعَة عِنْدَ يوشع أحب الْمَوْت.

قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي: هذه العبارة توهم بَعْض الأغبياء أَن موسى غاظه مَا رأى، فأحب الْمَوْت، إذ ضاق ذرعا بالذي أبصر من منزلة يوشع حِينَ علت. وليس كَذَلِكَ، إِنَّمَا أحب موسى الْمَوْت لما رأى لَهُ خلفا فِي أمته كافيا يقوم مقامه فيهم، فاستطاب حينئذ الْمَوْت لما وصفنا لا غَيْر.

وَأَمَّا استجابة يوشع وامتناع يوشع من إفشائه مَا يَكُون من اللَّه إِلَيْهِ فلم يك من بَاب التعزز من يوشع ولا من حبه الاقتصار من موسى إِلَيْهِ، بَل هُوَ من استخبار موسى يوشع هل بلغ حد الأمناء الَّذِينَ يكتمون مَا يجب كتمه عَنْ أقرب النَّاس إليهم وأعزهم عَلَيْهِم، فلما ألفى يوشع بالغا هذه المرتبة لَمْ يشك فِي نهوضه بالوحي واستمكانه من الحال الَّتِي أَهْل لَهَا فهذا الَّذِي أصار موسى إِلَى السؤال [١] .

ويدل عَلَى هَذَا مَا روي عَنِ الْحَسَن أَنَّهُ، قَالَ: لما ودع موسى أهله وولده أرسل


[١] في المختصر: «فهذا هو الّذي بعث موسى أم إلى السؤال» .

<<  <  ج: ص:  >  >>