والرابع: أن بعض دعاتهم نزل برجل يُقَالُ له: كرمية، فلما رحل تسمى قرمط بن الأشعب، ثم أدخله في مذهبه.
الخامس: أن بعض دعاتهم رجل يُقَالُ له: كرمية، فلما رحل تسمى باسم ذلك الرجل، ثم خفف الاسم فقيل: قرمط، قَالَ أهل السير: كان ذلك الرجل الداعي من ناحية خوزستان، وكان يظهر الزهد والتقشف، ويسف الخوص، ويأكل من كسبه، ويحفظ القوم ما صرموا من نخلهم في حظيرة، ويصلي أكثر الناس، ويصوم، ويأخذ عند إفطاره من البقال رطلا من التمر فيفطر عليه، ويجمع نواه فيدفعه إلى البقال، ثم يحاسبه على ما أخذ منه، ويحط من ذلك ثمن النوى. فسمع التجار الذين صرموا نخلهم فوثبوا عليه وضربوه، وقالوا: لم ترض بأن أكلت التمر حتى بعت النوى.
فأخبرهم البقال في الحال، فندموا على ضربه، وسألوه الإحلال، فازداد بذلك نبلا عند أهل القرية، وكان إذا قعد/ إليه إنسان ذاكره أمر الدين وزهده في الدنيا، وأعلمه أن الصلاة المفروضة على الناس خمسون صلاة في كل يوم وليلة، ثم أعلم الناس أنه يدعو إلى إمام من أهل بيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم مرض ومكث مطروحا على الطريق، وكان في القرية رجل يحمل على أثوار له، وكان أحمر العينين، وكان أهل القرية يسمونه كرميته لحمرة عينيه، وهو بالنبطية: حار العين، فكلم البقال كرميته هذا في أن يحمل هذا العليل إلى منزله، ويوصى أهله الإشراف عليه والعناية به، ففعل، فأقام عنده حتى بريء، ثم كان يأوي إلى منزله ودعا أهل القرية إلى أمره فأجابوه، وكان يأخذ من الرجل إذا دخل في دينه دينارا، ويزعم انه يأخذ ذلك الإمام، فمكث يدعو أهل القرى فيجيبونه، واتخذ منهم اثني عشر نقيبا، وأمرهم أن يدعوا الناس إلى دينه، وَقَالَ لهم:
انتم كحواري عيسى بن مريم عليهما السلام، فشغل أكرة تلك الناحية على أعمالهم بما رسمه لهم من الخمسين صلاة التي ذكر أنها فرضت عليهم.
وكان للهيصم في تلك الناحية ضياع، فوقف على تقصير أكرته في العمارة، فسأل عن ذلك، فأخبر أن رجلا قدم عليهم فأظهر لهم مذهبا من الدين، وأعلمهم أن الله عز وجل قد افترض عليهم خمسين صلاة في اليوم والليلة، وقد اشتغلوا بها فوجه [١] إليه/