للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زال يبعث إليه برسالة بعد رسالة، فأجابه بما مضمونه صدق الطوية، حسن النية.

وسأل عضد الدولة: الطائع في مورده الثاني إلى الحضرة أن يزيد في لقبه تاج الملة، ويجدد الخلع عليه، ويلبسه التاج والحلي المرصع بالجوهر، فأجابه إلى ذلك وجلس الطائع على سرير الخلافة في صدر صحن السلام، وحوله من خدمه الخواص نحو مائة بالمناطق والسيوف والزينة، وبين يديه مصحف عثمان، وعلى كتفيه البردة، وبيده القضيب، وهو متقلد سيف النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وضرب ستارة بعثها عضد الدولة، وسأل أن يكون حجابا للطائع حتى لا يقع عليه عين أحد من الجند قبله، ودخل الأتراك والديلم، ولم يكن مع أحد منهم حديد، ووقف الأشراف وأصحاب المراتب من الجانبين، فلما وصل عضد الدولة أوذن به الطائع فأذن له، فدخل، فأمر برفع الستارة، فقيل لعضد الدولة: قد وقع طرفه عليك، فقبَّل الأرض ولم يقبلها أحد ممن معه تسليما للرقبة [١] في تقبيل الأرض إليه فارتاع زياد من بين القواد لما شاهد، وقال بالفارسية: ما هذا أيها الملك، أهذا هو الله عز وجل؟ فالتفت إلى أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف وقال له:

فهِّمه وقل له: هذا خليفة الله في الأرض، ثم استمر يمشي ويقبل الأرض تسع مرات، والتفت الطائع إلى خالص الخادم وقال له: استدنه. فصعد عضد الدولة وقبل الأرض، دفعتين [٢] فقال له الطائع: ادن إليَّ، ادن إليَّ، فدنا، وأكب، وقبل رجله، وثنى الطائع يمينه عليه/ وكان بين يديه سريره مما يلي الجانب الأيمن للكرسي، ولم يجلس فقال له ثانيا: اجلس. فأومأ، ولم يجلس، فقال له: أقسمت عليك لتجلسن، فقبل الكرسي، وجلس، فقال له الطائع: ما كان أشوقنا إليك، وأتوقنا إلى مفاوضتك. فقال: عذري معلوم. فقال: نيتك موثوق بها، وعقيدتك مسكون إليها. وأومأ برأسه، ثم قال له الطائع: قد رأيت أن أفوض إليك ما وكل الله تعالى إلي من أمور الرعية في شرق الأرض وغربها، وتدبيرها في جميع جهاتها [٣] سوى خاصتي وأسبابي، وما وراء بابي، فتول ذلك مستخيرًا باللَّه تعالى. فقال له عضد الدولة: يعينني الله عز وجل على طاعة مولانا


[١] في الأصل: «للرتبة» .
[٢] في الأصل: «مرتين» .
[٣] في الأصل: «حركاتها» .

<<  <  ج: ص:  >  >>