للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والموصل، وديار بكر وحران، ومنبج، وكان مع صدقاته، وإيصاله ينظر في الدينار، وينافس [١] في القيراط، وأقام مكوسا، ومنع أن يعمل في الآلة، وأثر آثار من الظلم، فلما احتضر عضد الدولة جعل يتمثل بقول القاسم بن عبيد الله:

قتلت صناديد الرجال فلم أدع ... عدوا ولم أمهل على ظنة خلقا

وأخليت دور الملك من كل نازل ... فشردتهم غربا وبددتهم [٢] شرقا

فلما بلغت النجم عِزًّا ورفعة ... وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا

رماني الردى سهما فأخمد جمرتي ... فها أنا ذا في حفرتي عاطلا ملقى

فأذهبت دنياي وديني سفاهة ... فمن ذا الذي مِنِّي بمصرعه أشقى/

ثم جعل يقول (مَا أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) ٦٩: ٢٨- ٢٩ فرددها إلى أن توفي في آخر يوم الاثنين من شوال هذه السنة عن سبع وأربعين سنة، واحد عشر شهرا، وثلاثة أيام، وقيل: بل عن ثمانية وأربعين سنة، وستة أشهر، وخمسة عشر يوما، وأخفى خبره، ودفن في دار المملكة إلى أن خرجت السنة، وتقررت قواعد ما يتعلق به في السنة المقبلة [٣] ، فلما توفي بلغ خبره إلى مجلس بعض [٤] العلماء، وفيه جماعة من أكابر أهل العلم، فتذاكروا الكلمات التي قالها الحكماء عند موت الإسكندر.

وقد رويت لنا من طرق مختلفة الألفاظ، ونحن نذكر أحسنها، وذلك [٥] أن الإسكندر لما مات قام عند تابوته جماعة من الحكماء، فقال أحدهم: سلك الإسكندر طريق من فني، وفي موته عبرة لمن بقي، وقال الثاني، خلف الإسكندر ماله لغيره، ونحكم فيه بغير حكمه، وقال الثالث: أصبح الإسكندر مشتغلا بما عاين وهو بالأعمال يوم الجزاء أَشْغَلُ، وقال الرابع: كنت مثلي حديثا وأنا مثلك وشيكا، وقال الخامس: إن هذا الشخص كان لكم واعظا، ولم يعظكم قط، بأفضل من مصرعه. وقال السادس: كان


[١] في الأصل: «يناقش» .
[٢] في الأصل: «وشردتهم» .
[٣] في الأصل «المستقبلة» .
[٤] في ل، ص والمطبوعة: «إلى بعض مجلس» .
[٥] في ص، ل: «ذاك» .

<<  <  ج: ص:  >  >>