الصاحب عالما بفنون من العلوم كثيرة لم يقاربه في ذلك الوزير وله التصانيف الحسان، والنثر البالغ، وجمع كتبا عظيمة حتى كان يحتاج في نقلها على أربعمائة حمل، وكان يخالط العلماء، والأدباء ويقول لهم، نحن بالنهار سلطان وبالليل إخوان، وسمع الحديث وأملى، وروى أبو الحسن علي بن محمد الطبري المعروف بكيا قال: سمعت أبا الفضل زيد بن صالح الحنفي يقول: لما عزم الصاحب [إسماعيل بن عباد] على الإملاء وكان حينئذ في الوزارة، وخرج يوما متطلسا متحنكا بزي أهل العلم فقال، قد علمتم قدمي في العلم فأقروا له بذلك، فقال، وأنا متلبس بهذا الأمر وجميع ما انفقته من صغري إلى وقتي هذا من مال أبي وجدي ومع هذا فلا أخلو من تبعات اشهدوا عَلِيّ وأشهد الله وأشهدكم أني تائب الى الله تعالى من كل ذنب أذنبته، واتخذ لنفسه بيتا وسماه بيت التوبة، ولبث أسبوعا على ذلك ثم أخذ خطوط الفقهاء بصحة توبته، ثم خرج فقعد للإملاء وحضر الخلق الكثير وكان المستملي الواحد ينضاف إليه ستة كل يبلغ صاحبه، فكتب الناس حتى القاضي عبد الجبار وكان الصاحب ينفذ كل سنة إلى بغداد خمسة آلاف دينار تفرق في الفقهاء وأهل الأدب وكان لا تأخذه في الله لومة لائم، ويبغض من يميل إلى الفلسفة وأهدى إليه العميري القاضي [بقزوين] كتبا وكتب معها.
العميري عبد كافي الكافة ... وان اعتد في وجوه القضاة
خدم المجلس الرفيع بكتب ... مفعمات من حسنها مترعات
فوقع تحتها.
قد قبلنا من الجميع كتابا ... ورددنا لوقتنا الباقيات
لست استغنم الكثير فطبعي ... قول خذ ليس مذهبي قول هات
فاستدعى يوما شرابا فجيء بقدح، فلما أراد أن يشرب قال له بعض خواصه: لا تشربه فإنه مسموم فقال: وما الشاهد على صحة قولك؟ قال: أن تجربه على من اعطاك إياه قال لا استحل ذلك، قال فجربه على دجاجة قال: إن التمثيل بالحيوان لا يجوز، فرد القدح وأمر بصب ما فيه وقال للغلام: لا تدخل داري وأمر بإفراد جراية عليه، ومرض بالأهواز عن سجع عرض له فكان إذا قام عن الطست يترك إلى جانبه عشرة دنانير حتى لا يتبرم به الفراشون، فكانوا يتمنون دوام علته فلما برأ أنهب الفقراء ما حوت داره، فكان