وكان المغربي إذا دخل عليه الفقيه سأله عن النحو، والنحوي سأله عن الفرائض أو الشاعر سأله عن القرآن قصدا ليسكتهم، فدخل عليه شيخ معروف فسأله عن العلم، فقال: ما أدري ولكني رجل يودعني الغريب الذي لا أعرفه الأموال العظيمة، ويعود بعد سنين وهي بختومها فأخجله بذلك وآل الأمر [١] إلى أن زار رجلا من الصالحين المنقطعين إلى الله تعالى، فقال: لو صحبتنا لنستفيد منك وتستفيد منا، فقال: ردني عن هذا قول الشاعر:
إذا شئت أن تحيا غنيا فلا تكن ... بمنزلة إلا رضيت بدونها
فأنا اكتفي بعيشي هذا، فقال: يا شيخ ما هذا بيت شعر هذا بيت مال، ثم قال:
اللهم أغننا كما أغنيت هذا الشيخ، واعتزل السلطان فقيل له: لو تركت المناصب في عنفوان شبابك، فقال:
كنت في سفرة البطالة والجهل ... زمانا فحان مني قدوم
تبت من كل مأثم فعسى يمحي ... بهذا الحديث ذاك القديم
بعد خمس وأربعين لقد ما ... طلت إلا أن الغريم كريم
ولما أحس بالموت كتب كتابا إلى من يصل إليه من الأمراء والرؤساء الذين من ديار بكر والكوفة يعرفهم أن حظية له توفيت، وإن تابوتها يجتاز بهم إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام، وخاطبهم في المراعاة لمن يصحبه ويخفره، وكان قصده أن لا يتعرض أحد لتابوته، وأن ينطوي خبره فتم له ذلك.
وتوفي في رمضان بميافارقين عن ست وأربعين سنة، وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام فدفن هناك.
أَخْبَرَنَا محمد بْن ناصر، أَخْبَرَنَا عبد المحسن بن محمد قال: حدثني أبو منصور محمد بن علي الواسطي قال: حدثني الأمير منتخب الملل قال: كان ابن المغربي مختفيا بالقاهرة والسلطان يطلب دمه، وكان بمصر صبي أمرد مما انتهى الحسن إليه في