للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأربعمائة وأنا ابن خمس سنين أو دونها بأشهر، وكان المنفق عليه تركيا قدم حاجا، ثم قدم أبو سعد [١] المستوفي، وكان حنفيا متعصبا، وكان قبر أبي حنيفة تحت سقف عمله بعض الأمراء [٢] التركمان، وكان قبل ذلك وأنا صبي عليه خربشت خاصا له، وذلك في سنتي سبع أو ثمان وثلاثين قبل دخول الغز بغداد سنة سبع وأربعين، فلما جاء شرف الملك سنة ثلاث وخمسين عزم على إحداث القبة وهي هذه، فهدم جميع أبنية المسجد وما يحيط بالقبر، وبنى هذا المشهد، فجاء بالقطاعين والمهندسين وقدر لها/ ما بين ٥٢/ أألوف آجر وابتاع دورا من جوار المشهد، وحفر أساس القبة، وكانوا يطلبون الأرض الصلبة فلم يبلغوا إليها إلا بعد حفر سبعة عشر ذراعا في ستة عشر يوما، فخرج من هذا الحفر عظام الأموات الذين كانوا يطلبون جوار النعمان أربعمائة صن، ونقلت جميعها إلى بقعة كانت ملكا لقوم، فحفر لها ودفنت، وخرج في ذلك الأساس شخص منتظم العظام له ريح كريح الكافور.

قَالَ ابن عقيل: فقلت: وما يدريكم لعل النعمان قَدْ خرجت عظامه فِي هَذِهِ العظام وبقيت هذه القبة فارغة من مقصود.

قَالَ: فبعث شرف الملك إلى أبي منصور بن يوسف شاكيا مني وطالبا منه مقابلتي على ذلك، فكان غاية ما قَالَ لي بعد أن أحصرني في خلوة: يا سيدي، ما نعلم كيف حالنا مع هؤلاء الأعاجم والدولة لهم. فقلت: يا سيدي، رأيت منكرا فاشيا فما ملت نفرتي الدينية.

قَالَ ابن عقيل: وكانت العمارة في سنة تسع وخمسين، وساجه وأبوابه غصب من بعض بيع سامرا، فما عند هؤلاء من الدين خبر.

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، أنبأنا أبو الحسين المبارك ابن عبد الجبار الصيرفي قَالَ: سمعت أبا الحسين ابن المهتدى يقول: لا يصح أن قبر أبي حنيفة في هذا الموضع الذي بنوا عليه القبة، وكان الحجيج قبل ذلك يردون ويطوفون حول المقبرة فيزورون أبا حنيفة لا يعينون موضعا.


[١] في الأصل: «أبو سعيد» .
[٢] في ص: «أمراء» .

<<  <  ج: ص:  >  >>