فلما كان وقت الصلاة من يوم الجمعة صلى السلطان بالعسكر، ودعا الله تعالى وابتهل وبكى وتضرع وقال لهم: نحن مع القوم تحت الناقص، وأريد أن أطرح نفسي عليهم في هذه الساعة التي يدعى فيها لنا وللمسلمين علي المنابر، فإما أن أبلغ الغرض، وأما أن أمضى شهيدا إلى الجنة، فمن أحب أن يتبعني منكم فليتبعني، ومن أحب أن ينصرف فليمض مصاحبا/ عني، فما هاهنا سلطان يأمر، ولا عسكر يؤمر، ٦٢/ أفإنما أنا اليوم واحد منكم، وغاز معكم، فمن تبعني ووهب نفسه للَّه تعالى فله الجنة والغنيمة [١] ، ومن مضى حقت عليه النار والفضيحة.
فقالوا له: أيها السلطان، نحن عبيدك، ومهما فعلته تبعناك فيه وأعناك عليه، فافعل ما تريد.
فرمى القوس والنشاب، ولبس السلاح، وأخذ الدبوس، وعقد ذنب فرسه بيده وركبها، ففعلوا مثله، وزحف إلى الروم، وصاح وصاحوا، وحمل عليهم وثار الغبار، واقتتلوا ساعة أجلت الحال فيها عن هزيمة الكفار، فقتلوا يومهم وليلتهم القتل الذريع، ونهبوا وسبوا النهب والسبي العظيم.
ثم عاد السلطان إلى موضعه، فدخل عليه الكهراي الخادم فقال: يا سلطان، أحد غلماني قد ذكر أن ملك الروم في أسره، وهذا الغلام عرض على نظام الملك في جملة العسكر فاحتقره وأسقطه، فخوطب في أمره فأبى أن يثبته، وقال مستهزئا، لعله أن يجيئنا بملك الروم أسيرا، فأجرى الله تعالى أسر ملك الروم على يده. واستبعد السلطان ذلك، واستحضر غلاما يسمى:«شاذى» كان مضى دفعات مع الرسل إلى ملك الروم، فأمره بمشاهدته وتحقيق أمره، فمضى فرآه ثم عاد فقال: هو هو. فتقدم بضرب خيمة له، ونقله إليها وتقييده وغل يده إلى عنقه، وأن يوكل به مائة غلام، وخلع على الذي أسره وحجبه، وأعطاه ما اقترحه، واستشرحه الحال فقال: قصدته وما أعرفه وحوله عشرة صبيان من الخدم، فقال لي أحدهم: لا تقتله فإنه الملك فأسرته وحملته.
فتقدم السلطان بإحضاره فأحضر بين يديه، فضربه بيده ثلاث مقارع أو أربعا،