للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٤٦/ ب تعظيمه الصوفية فقال: أتاني صوفي وأنا في خدمة/ بعض الأمراء، فوعظني وقال:

أخدم من تنفعك خدمته، ولا تشتغل بما تأكله الكلاب غدا فلم أعرف معنى قوله، فشرب ذلك الأمير من الغد، وكانت له كلاب كالسباع تفرس الغرباء بالليل، فغلبه السكر وخرج وحده فلم تعرفه الكلاب فمزقته، فعلمت أن الرجل كوشف بذلك فأنا أطلب أمثاله.

وكان للنظام من المكرمات ما لا يحصى كلما سمع الأذان أمسك عما هو فيه، وكان يراعي أوقات الصلوات، ويصوم الاثنين والخميس، ويكثر الصدقة، وكان له الحلم والوقار وأحسن خلاله مراعاة العلماء، وتربية العلم، وبناء المدارس والمساجد والرباطات والوقوف عليها، وأثره العجيب ببغداد هذه المدرسة وسقوفها الموقوف عليها، وفي كتاب شرطها أنها وقف على أصحاب الشافعي أصلا وفرعا، وكذلك الأملاك الموقوفة عليها شرط فيها أن يكون على أصحاب الشافعي أصلا وفرعا، وكذلك شرط في المدرس الذي يكون بها والواعظ الذي يعظ بها ومتولي الكتب، وشرط أن يكون فيها مقرئ القرآن، ونحوي يدرس العربية، وفرض لكل قسطا من الوقف، وكان يطلق ببغداد كل سنة من الصلات مائتي كر، وثمانية عشر ألف دينار.

ولما طالت ولايته تقررت قواعده قبل قدره، ولما عبر في جيحون [١] وقع للملاحين بأجرتهم على عامل أنطاكية بعشرة آلاف دينار، وملك من الغلمان الأتراك ألوفا، وحدث بمرو، ونيسابور، والري، وأصبهان، وبغداد، وأملى في جامع المهدي، وفي مدرسته، وكان يقول: إني لأعلم أنى لست أهلا للرواية، ولكني أريد أن أربط نفسي على قطار النقلة لحديث/ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وحدث عنه جماعة من شيوخنا منهم أبو الفضل الأرموي، وآخر من روى عنه أبو القاسم العكبري، وكان النظام يقول: كنت أتمنى أن يكون لي قرية ومسجد أتخلى فيه بطاعة ربي، ثم تمنيت بعد ذلك قطعة من الأرض بشربها أقوت برفعها، وأتخلى في مسجد في جبل، ثم الآن أتمنى أن يكون لي رغيف كل يوم وأتعبد [٢] في مسجد.


[١] في الأصل: «ولقد عبر في جيحون» .
[٢] في ت، ص: «لي رغيف وأتعبد»

<<  <  ج: ص:  >  >>