للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلده قضاء القضاة في رمضان سنة ثمان وسبعين، وخلع عليه، وقرئ عهده ولم يرتزق على القضاء شيئا، ولم يغير ملبسه ومأكله وأحواله قبل القضاء، وكان يتولى القضاء بنفسه، ولا يستنيب أحدا ولا يحابي مخلوقا، فلما أقام الحق نفرت عنه قلوب المبطلين، ولفقوا له معايب لم يلصق به منها شيء، وكان غاية تأثيرها أنه سخط عليه الخليفة، ومنع الشهود من إتيان مجلسه، وأشاع عزله فقال: لم يطر على فسق استحق به العزل. فبقي كذلك سنتين وشهورا، وأذن لأبي عبد الله محمد بن عبيد الله الدامغاني في سماع البينة، فنفذ من العسكر بأن الخبر قد وصل إلينا أن الديوان قد استغنى عن ابن بكران، ونحن بنا حاجة إليه، فيسرح إلينا، فوقع الامساك عنه، ثم صلح رأي الخليفة فيه، وأذن للشهود في العود إلى مجلسه، فاستقامت أموره، وحمل إليه يهودي جحد مسلما ثيابا ادعاها عليه، فأمر ببطحه وضربه فعوقب فأقر، فعاقبه الوزير أبو شجاع على ذلك، واغتنم أعداؤه الفرصة في ذلك، فصنف أبو بكر الشاشي كتابا في الرد عليه ١٤/ سماه: «الرد على من حكم بالفراسة [١] / وحققها بالضرب والعقوبة» وقد ذكر أن الذي فعله له وجه ومستند من كلام الشافعي.

قال المصنف: نقلت من خط أبي الوفاء بن عقيل قال: أخذ قوم يعيبون على الشامي ويقولون: كان يقضي بالفراسة ويواقعه، قال: فضرب كرديا حتى أقر بمال أخذه غصبا وكان ضربه بجريدة من نخلة داره، فقلت: أعرف دينه وأمانته، ما كان ذلك بالفراسة، لكن بأمارات، واذا تأملتم الشرع وجدتم أنه يجوز التعويل على مثلها، فإنه إذا رأى صاحب كلالجات ورعونة يقال إنه رجم سطحا لإجل طائر، فكسر جرة، وكان عنده خبر أنه يلعب بالطيور، فقال: بل هذا الشيخ رجم. وقد ذهب مالك إلى التوصل إلى الإقرار بما يراه الحاكم على ما حكاه بعض الفقهاء، وذلك يستند إلى قوله: «إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ من قُبُلٍ» ١٢: ٢٦ [٢] ومن حكمنا بعقد الأزج، وكثرة الخشب، ومعاقد القمط، وما يصلح للمرأة وما يصلح للرجل، والدباغ والعطار إذا تخاصما في جلد، وهل اللوث في القسامة إلى نحو هذا.


[١] في الأصل: «على من حكم بالسياسة» .
[٢] سورة: يوسف، الآية: ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>