للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخرة والدنيا معلوم، يا صدر الإسلام أن آحاد الرعية من الأعيان مخيرون في القاصد والوافد إن شاءوا وصلوه، وإن شاءوا قطعوه، [١] فأما من توشح بولائه وترشح لآلائه فليس مخيرا في القاصد والوافد، لأن من هو على الحقيقة أمير فهو في الحقيقة أجير، قد باع نفسه وأخذ ثمنه، فلم يبق له من نهاره ما يتصرف فيه على اختياره، ولا له أن يصلى نفلا ولا يدخل معتكفا دون التبتل لتدبيرهم، / والنظر في أمورهم، لأن ذلك فضل وهذا ٥٠/ ب فرض لازم، وأنت يا صدر الإسلام وإن كنت وزير الدولة، فأنت أجير الأمة استأجرك جلال الدولة بالأجرة الوافرة لتنوب عنه في الدنيا والآخره، فأما في الدنيا ففي مصالح المسلمين [٢] ، وأما في الآخرة فلتجيب عند رب العالمين، فإنه سيقفه بين يديه ويقول له: ملكتك البلاد وقلدتك أزمة العباد فما صنعت في إقامة البذل وإفاضة العدل؟ فلعله يقول: يا رب اخترت من دولتي شجاعا عاقلا حازما وسميته قوام الدين نظام الملك وها هو قائم في جملة الولاة، وبسطت يده في السوط والسيف والقلم، ومكنته من الدينار والدرهم، فاسأله يا رب ماذا صنع في عبادك وبلادك؟ أفتحسن أن تقول في الجواب نعم تقلدت أمور العباد وملكت أزمة العباد فبثثت النوال وأعطيت الأفضال حتى إنى أقربت من لقائك ودنوت من تلقائك اتخذت الأبواب والنواب والحجّاب والحجاب ليصدوا عنى القاصد ويردوا عنى الوافد، فاعمر قبرك كما عمرت قصرك، وانتهز الفرصة ما دام الدهر يقبل أمرك، فلا تعتذر فما ثم من يقبل عذرك، وهذا ملك الهند وهو عابد صنم ذهب سمعه فدخل عليه أهل مملكته يعزونه في سمعه، فقال: ما حزني لذهاب هذه الجارحة من بدني ولكن لصوت المظلوم كيف لا أسمعه فأغيثه، ثم قال: إن كان قد ذهب سمعي فما ذهب بصرى، فليؤمر كل ذي ظلامة أن يلبس الأحمر حتى إذا رأيته عرفته فأنصفته.

وهذا أنوشروان قال له رسول/ ملك الروم: لقد أقدرت عدوك عليك بتسهيل الوصول إليك، فقال: إنما أجلس هذا المجلس لأكشف ظلامة وأقضى حاجة، وأنت يا صدر الإسلام أحق بهذه المأثرة، وأولى بهذه المعدلة، وأحرى من أعد جوابا لتلك المسأله، فإنه الله الذي تكاد السموات يتفطرن منه في موقف ما فيه إلا خاشع أو خاضع


[١] في ص، ط: «إن شاءوا فصلوه» .
[٢] في الأصل: «في الدنيا فلمصالح المسلمين» .

<<  <  ج: ص:  >  >>