للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سعد أنه لا بد لكم منا، ولا سلاح معكم، فما جاء بكم؟ وكانوا يضحكون منهم ومن نبلهم، ويقولون هذه مغازل. فلما أبوا أن يرجعوا عن حربهم، قالوا لهم: ابعثوا لنا رجلا منكم عاقلًا يبين لنا ما جاء بكم، فقال المغيرة بن شعبة: أنا، فعبر إليهم، فقعد مع رستم على السرير، فصاحوا عليه، فقال: إن هذا لم يزدني رفعة ولم ينقص صاحبكم، فقال رستم: صدق، ثم قَالَ: ما جاء بكم؟ فقال: إنا كنا قوما في ضلالة، فبعث الله فينا نبيا فهدانا الله به، فإن قتلتمونا دخلنا الجنة، وإن قتلتم دخلتم النار، فقال: أو ماذا؟ قال: أو تؤدون الجزية، فلما سمعوا نخروا وصاحوا، وقالوا: لا صلح بيننا وبينكم، فقال المغيرة: تعبرون إلينا أو نعبر إليكم؟ فقال رستم: بل نعبر إليكم، فاستأخر المسلمون حتى عبر منهم من عبر/ فحملوا عليهم فهزموهم، فأصاب المسلمون فيما أصابوا جرابا من كافور فحسبوه ملحا، فألقوا منه في الطبيخ، فلما ذاقوه قالوا: لا خير في هذا.

وانهزم القوم حتى انتهوا إلى الصراة، فطلبوهم فانهزموا حتى انتهوا إلى المدائن، ثم انهزموا حتى أتوا شاطئ دجلة [١] ، فمنهم من عبر من كلواذى، ومنهم من عبر من أسفل المدائن، فحاصروهم حتى ما يجدون طعاما يأكلونه إلا كلابهم وسنانيرهم، فخرجوا ليلا فلحقوا بجلولاء، فأتاهم المسلمون، وعلى مقدمة سعد هاشم بن عتبة، وهي الوقعة التي كانت، فهزم المشركون حتى ألحقهم سعد بنهاوند.

وبعث سعد بجماعة من المسلمين إلى يزدجرد يدعونه إلى الإسلام، فلما دخلوا عليه، قال: ما الذي دعاكم إلى غزونا، والولوع ببلادنا، فقال له النعمان بن مقرن: إن الله تعالى أرسل إلينا رسولا يدلنا على الخير، فأمرنا أن ندعو الناس إلى الإنصاف، ونحن ندعوكم إِلى ديننا، فإن أبيتم فالمناجزة، فقال يزدجرد: إني لا أعلم في الأرض أمة أشقى منكم، فَقَالَ المغيرة بن زرارة الأسدي: اختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر، وإن شئت السيف، أو تسلم، فقال: أتستقبلني بمثل هذا؟ فقال: ما استقبلت إلا من كلمني، فقال: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك لا شيء لكم عندي، ثم قال:

ائتوني بوقر من تراب واحملوه على أشرف هَؤُلَاء، ثم سوقوه حتى يخرج من باب المدائن [٢] ، ارجعوا إلى صاحبكم فاعلموه أني مرسل إليهم رستم حتى يدفنه [٣] وجنده


[١] في الأصل: «فحصروهم حتى ما نزلوا شاطئ» والتصحيح من: أ.
[٢] في الأصل: أبيات المدائن والتصحيح من الطبري.
[٣] في الطبري: «حتى يدفيكم ويدفيه» .

<<  <  ج: ص:  >  >>