فكان التأريخ حتى بعث الله نوحا، فأرخوا من مبعث نوح حتى كان الغرق، وكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم، فلما كثر ولد إسماعيل افترقوا، فأرخ بنو إسحاق من نار إِبْرَاهيم إلى مبعث يوسف، ومن مبعث يوسف إلى مبعث موسى، ومن مبعث موسى إلى ملك سليمان، ومن ملك سليمان إلى مبعث عيسى، ومن مبعث عيسى إلى أن بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وعليهم أجمعين.
وأرخ بنو إسماعيل من نار إبراهيم إلى بناء البيت، ومن بناء البيت حتى تفرقت معد، وكانت للعرب أيام وأعلام يعدونها، ثم أرخوا من موت كعب بن لؤي إلى الفيل، وكان التأريخ من الفيل حتى أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة.
وإنما أرخ عمر بعد سبع عشرة من مهاجرة رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وذلك أن أبا موسى الأشعري كتب إِلى عمر: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ. قال: فجمع عمر الناس للمشورة، فقال بعضهم: أرخ لمبعث/ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وقال بعضهم: أرخ لمهاجر رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فقال عمر: لا بل نؤرخ لمهاجر رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فإن مهاجره فرق بين الحق والباطل.
وقال ميمون بن مهران: رفع إلى عمر صك محله في شعبان، فقال عمر: أي شعبان؟ الذي هو آت أو الذي نحن فيه؟ قال: ثم قال لأصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: ضعوا للناس شيئا يعرفونه، فقال بعضهم: اكتبوا على تاريخ الروم، فقيل: إنهم يكتبون من عهد ذي القرنين، فهذا يطول. وقال بعضهم: اكتبوا على تاريخ الفرس، فقيل: إن الفرس كلما قام ملك طرح ما كان قبله، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بالمدينة، فوجدوا عشر سنين، فكتب التاريخ من هجرة رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ.
وقال ابن سيرين: قام رجل إلى عمر فقال: أرخوا، فقال عمر: ما أرخوا؟ قال:
شيء تفعله الأعاجم، يكتبون في شهر كذا من سنة كذا، قال عمر: حسن فأرخوا، فقال: من أي السنين نبدأ؟ فقالوا: من مبعثه، وقالوا: من وفاته، ثم أجمعوا على الهجرة، ثم قال: فبأي الشهور نبدأ، فقالوا: من رمضان، ثم قالوا: المحرم فإنه منصرف الناس من حجهم، وهو شهر حرام، فأجمعوا عَلَى المحرم.