للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: أنا عمرو بن معديكرب، فَقَالَ: يا أبا ثور مَا أنصفتني، أَنْتَ عَلَى ظهر فرسك، وأنا فِي بئر، فاعطني عهدا أنك لا تقتلني حَتَّى أركب فرسي وآخذ حذري، فأعطيته عهدا ألا أقتله حَتَّى يركب فرسه ويأخذ حذره، فخرج من الموضع الَّذِي كَانَ فِيهِ، ثُمَّ اجتبى بسَيْفه وجلس، فَقُلْتُ: مَا/ هَذَا؟ قَالَ: مَا أنا براكب فرسي ولا بمقاتلك، فهذا يا أمير الْمُؤْمِنيِنَ أحيل من رأيت.

ثُمَّ إني خرجت يوما آخر حَتَّى انتهيت إِلَى موضع كنت أقطع فِيهِ، فلم أر أحدا فأجريت فرسي يمينًا وشمالا، فَإِذَا أنا بفارس، فلما دنا مني إِذَا هُوَ غلام وجهه من أجمل من رأيت من الفتيان وأحسنهم، وإذا هُوَ قَدْ أقبل من نَحْو اليمامة، فلما قرب مني سلم، فرددت عَلَيْهِ وقلت: من الفتى؟ فَقَالَ: الْحَارِث بْن سَعْد فارس الشهباء، فَقُلْتُ لَهُ: خذ حذرك فإني قاتلك، فمضى وَلَمْ يلتفت إلي فَقُلْتُ لَهُ: يا فتى خذ حذرك فإني قاتلك.

قَالَ: الويل لَكَ، من أَنْتَ؟ قلت: أنا عمرو بن معديكرب، قَالَ: الحقير الذليل، والله مَا يمنعني من قتلك إلا استصغارك، قَالَ: فتصاغرت نفسي إلي وعظم عندي مَا استقبلني بِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: خذ حذرك، فو الله لا ينصرف إلا أحدنا، قال: أغرب ثكلتك أمك فإني من أَهْل بَيْت مَا نكلنا عَن فارس قط، فَقُلْتُ: هُوَ الَّذِي نسمع، فاختر لنفسك، فَقَالَ: إِمَّا أَن تطرد لي أَوْ أطرد لَكَ، فاغتممتها منه فَقُلْتُ: أطرد لي، فأطرد وحملت عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا قُلْت إني قَدْ وضعت الرمح بَيْنَ كتفيه إِذَا هُوَ قَدْ صار حزاما لفرسه ثُمَّ اتبعني فقرع بالقناة رأسي وَقَالَ: يا عَمْرو خذها إليك واحدة، فو الله لولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك، فتصاغرت إلي نفسي وَكَانَ الْمَوْت والله يا أمير الْمُؤْمِنيِنَ أحب إلي مِمَّا رأيت، فَقُلْتُ: والله لا ينصرف إلا أحدنا، فَقَالَ: اختر لنفسك، فَقُلْتُ: أطرد لي فأطرد، فظننت أني قَدْ تمكنت منه، فاتبعته حَتَّى إِذَا ظننت أني قَدْ وضعت الرمح بَيْنَ كتفيه، فَإِذَا هُوَ قَدْ صار لببا لفرسه، ثُمَّ اتبعني فقرع رأسي بالقناة وَقَالَ: يا عَمْرو خذها إليك اثنتين/ فتصاغرت إلي نفسي فَقُلْتُ: والله لا ينصرف إلا أحدنا، فَقَالَ: اختر لنفسك، فَقُلْتُ:

أطرد لي، فأطرد حَتَّى إِذَا قُلْتُ وضعت الرمح بين كتفيه، وثبت عَن فرسه، فَإِذَا هُوَ عَلَى الأرض فأخطأته ومضيت فاستوى عَلَى فرسه فاتبعني فقرع رأسي بالقناة، وَقَالَ: يا عَمْرو خذها إليك ثلاثا، ولولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك، فَقُلْتُ لَهُ: اقتلني أحب إلي مِمَّا أرى بنفسي وأن يسمع فتيان العرب هذا، فقال لي: يا عَمْرو، إِنَّمَا العفو ثَلاث مرات،

<<  <  ج: ص:  >  >>