عن المنبر مغشيا عليه، فاحتمل فأدخل داره، وكان المصريون لا يطمعون فِي أحد من أهل المدينة أن يساعدهم إلا فِي ثلاثة نفر، فإنهم كانوا يراسلونهم: مُحَمَّد بن أبي بكر، ومُحَمَّد بن جعفر، وعمار بن ياسر، وشمر أناس من الناس فاستقتلوا منهم سعد بن مالك، وأبو هريرة، وزيد بن ثابت، والحسن بن علي بن أبي طالب، فبعث إليهم عثمان بعزمه لما انصرفوا. ودخل علي وطَلْحَة والزبير على عثمان يعودونه من صرعته، فصلى بهم عثمان بعد ما نزلوا به فِي المسجد ثلاثين يوما ثم منعوه الصلاة، فصلى بالناس أميرهم الغافقي، دان له المصريون والكوفيون والبصريون، وتفرق أهل المدينة إلى حيطانهم، ولزموا بيوتهم، لا يخرج أحد، ولا يجلس أحد إلا وعليه سيفه يمتنع به من رهق القوم، وكان الحصار أربعين يوما، وفيها كان القتل، ومن تعرض لهم وضعوا فيه السلاح، وكانوا قبل ذلك ثلاثين يوما يكفون عن الناس، ويحتملون منهم الكلام.
ولما رأى زيد وزياد وعمر والأصم أن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عثمان، / وأنهم ١٨/ ب لا يجيئونهم رجعوا من بين أهل الكوفة، وأعاد عثمان الكتاب إلى الأمراء: إن أمر هؤلاء قد بان، وأنهم جاولوا الإسلام، ومنعوا الصلاة، وحالوا بيني وبين المسجد، ولما لم يجدوا خرجا، قالوا: لا نرضى إلا بأن يعتزلنا، فأدركوا الفتنة قبل تدفقها، فحرض العمال أهل بلادهم، وجاء سعد، وزيد، وأبو هريرة للقتال، فقَالَ عثمان: إن كنتم ترون الطاعة، فاغمدوا أسيافكم وانصرفوا.
وجاء كثير بن الصلت، فقَالَ لعثمان: لو أريت الناس وجهك، فقد انكسر الناس، فقَالَ: يا كثير، رأيتني البارحة وكأني دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فقَالَ: قد صبرت فلن يدركك المسلمون حتى تقتل، فارجع فإنك مفطر عندي يوم كذا وكذا، ولن تغيب الشمس والله يوم كذا وكذا، إلا وأنا من أهل الآخرة، فقالوا: نستقيل، فقَالَ: اخرجوا عني.
ولما رأى القوم أن الناس قد ثابوا إلى عثمان وضعوا على علي بن أبي طالب رقيبا فِي نفر فلازمه، ورقيبه خالد بن ملجم، وعلى طَلْحَة رقيبا فلازمه، ورقيبه سودان بن حمران، وعلى الزبير رقيبا فلازمه، ورقيبه قتيرة وعلى نفر بالمدينة، وقالوا لهم: إن تحركوا فاقتلوهم، فلما لم يستطع هؤلاء النفر غشيان عثمان بعثوا أبناءهم إلى عثمان،