للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليغلبا عليها، وكان قد امتنع منها بالدهاء والمكايدة، فلم يقدرا عليه [١] حتى كاد معاوية قيس بن سعد من قبل علي، فكان معاوية يقول: ما ابتدعت مكايدة قط كانت أعجب عندي من مكايدة كدت بها قيسا من قبل علي، فكتبت إلى أهل الشام: لا تسبوا قيسا فإنه لنا شيعة، تأتينا كتبه ونصيحته سرا. ألا ترونه يحسن إلى كل راكب منكم، ألا ترون ما يفعل بإخوانكم من أهل خربتا، يجري عليهم أعطياتهم وأرزاقهم.

فبلغ ذلك عليا فاتهم قيسا وكتب إليه يأمره بقتال أهل خربتا، وأهل خربتا يومئذ عشرة آلاف، فأبى وكتب إلى علي: إنهم وجوه أهل مصر، وقد رضوا مني أن أؤمن سربهم، وأجري عليهم/ أعطياتهم، وقد علمت أن هواهم مع معاوية، فأبى علي رضي ٣٨/ أالله عنه إلا قتالهم، وأبى قيس أن يقاتلهم، وكتب إلى علي: إن كنت تتهمني فاعزلني عن عملك، وابعث عليه غيري، فبعث الأشتر إلى مصر أميرا عليها حتى إذا صار بالقلزم سقي شربة عسل فيها سم كان فيها حتفه.

فلما بلغ عليا وفاة الأشتر بالقلزم بعث مُحَمَّد بن أبي بكر أميرا على مصر. هذا قول الزهري.

وقَالَ هشام بن مُحَمَّد: إنما بعث الأشتر بعد هلاك مُحَمَّد بن أبي بكر، ولما جاء عليا مقتل مُحَمَّد بن أبي بكر علم أن قيسا كان ينصحه فأطاعه فِي كل شيء. قال علماء السير: وكان عليّ رضي الله عنه قد كتب عهد مُحَمَّد بن أبي بكر لغرة رمضان، فلم يلبث مُحَمَّد شهرا كاملا حتى بعث إلى أولئك الذين كان قيس وادعهم، وقَالَ: يا هؤلاء، إما أن تدخلوا فِي طاعتنا، وإما أن تخرجوا من بلادنا، فبعثوا إليه: دعنا حتى ننظر، فأبى وبعث إليهم رجلا فقتلوه، ثم بعث آخر فقتلوه.

وفِي هذه السنة قدم ماهويه مرزبان مرو [٢] على عَلي بْن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنه بعد الجمل مقرا بالصلح، فكتب له علي كتابا إلى دهاقين مرو والأساورة بأنه قد رضي عنه. ثم إنهم كفروا بعد ذلك.


[١] في الأصول: «فلم يقدرا عليها» .
[٢] تاريخ الطبري ٤/ ٥٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>