شهدهم نفر من قريش، فاشهدهم فإنك صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحد أهل الشورى، وأنت أحق بالخلافة، فقَالَ: لا أفعل، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:«إنه تكون فتنة خير الناس فيها الخفي التقي» . والتقى الحكمان، فقَالَ عمرو بن العاص: يا أبا مُوسَى، أرأيت أول ما يقضى به من الحق أن يقضى لأهل الوفاء بوفائهم، وعلى أهل الغدر بغدرهم، قَالَ: وما ذاك؟
قَالَ: ألست تعلم أن معاوية وأهل الشام قد وافوا وقدموا للموعد؟ قَالَ: بلى، قَالَ عمرو:
اكتبها، فكتبها أبو مُوسَى، قَالَ: ألست تعلم أن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما؟ قَالَ:
أشهد، قَالَ: أفلست تعلم أن معاوية وآل معاوية أولياؤه؟ قَالَ: بلى، قَالَ: فإن الله عز وجل قَالَ: وَمن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ١٧: ٣٣ [١] ، فما يمنعك من معاوية ولي عثمان، وبيته فِي قريش كما قد علمت، فإن قَالَ الناس ليس له سابقة فلك حجة، وهي أن تقول: إني وجدته ولي عثمان المظلوم، والطالب بدمه، وقد صحبت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَالَ: إني لم أكن لأوليه، وأدع المهاجرين الأولين والأنصار، ولو خرج لي من سلطانه ما كنت لأرتشي فِي حكم الله، ولكنك إن شئت أحيينا اسم عمر بن الخطاب.
فأبى عمرو وقَالَ: أخبرني عن رأيك، قَالَ: رأيي أن نخلع هذين الرجلين ونجعل الأمر شورى بين المسلمين، فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبوا، فقَالَ له عمرو: فإن الرأي ما رأيت، فأقبلا إلى الناس فقَالَ عمرو: يا أبا مُوسَى أعلمهم بأن رأينا قد اجتمع، فتكلم أبو مُوسَى فقَالَ: رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح الله به أمر هذه الأمة، فقَالَ عمرو: صدق وبر، يا أبا مُوسَى، تقدم فتكلم. فتقدم أبو مُوسَى ليتكلم فدعاه ابن عباس فقَالَ له: ويحك، والله إني لأظنه قد خدعك إن كنتما قد اتفقتما على أمر فقدمه فليتكلم بذلك قبلك، فإني لا آمن أن يخالفك، فقَالَ: إنا قد اتفقنا.
فتقدم أبو مُوسَى، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: أيها الناس، إنا قد نظرنا فِي أمر هذه الأمة فلم نر أصلح لأمرها ولا ألم/ لشعثها من أمر قد اجتمع عليه رأيي ورأي ٥٠/ ب عمرو، وهو أن نخلع عليا ومعاوية، وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر، فيولوا منهم ما أحبوا